﴿اسْترق السّمع فَأتبعهُ شهَاب مُبين (١٨) وَالْأَرْض مددناها وألقينا فِيهَا رواسي وأنبتنا فِيهَا﴾ الْبَعْض وتخبل الْبَعْض ". وَاخْتلف القَوْل فِي أَنهم مَتى يسْتَرقونَ السّمع؟ فأحد الْقَوْلَيْنِ: أَنهم يسْتَرقونَ السّمع من الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء، وَالْقَوْل الآخر: أَنهم يسْتَرقونَ السّمع من الْمَلَائِكَة فِي الْهَوَاء. وَأما معرفَة مَلَائِكَة السَّمَاء بِالْأَمر فباستخبارهم مَلَائِكَة أهل السَّمَاء الثَّانِيَة، هَكَذَا يستخبر أهل كل سَمَاء من أهل السَّمَاء [الَّتِي] فَوْقهم، حَتَّى يصلوا إِلَى حَملَة الْعَرْش فيخبرون بِمَا قَضَاهُ الله تَعَالَى من الْأَمر، وَيرجع الْخَبَر من سَمَاء إِلَى سَمَاء حَتَّى يصل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، ثمَّ الشَّيَاطِين يسْتَرقونَ على مَا قُلْنَا من قبل.
وَقَوله: ﴿فَأتبعهُ شهَاب مُبين﴾ الشهَاب هُوَ الشعلة من النَّار، فَإِن قَالَ قَائِل: نَحن لَا نرى نَارا، وَإِنَّمَا نرى نورا أَو نجما ينْقض.
وَالْجَوَاب: أَنه يحْتَمل أَنه ينْقض نورا، فَإِذا وصل إِلَيْهِ صَار نَارا، أَو يحْتَمل أَنه يرى من بعد الْمَكَان أَنه نجم وَهُوَ نَار، وَقيل: إِن النَّجْم ينْقض فَيَرْمِي الشَّيْطَان ثمَّ يعود إِلَى مَكَانَهُ. وَاعْلَم أَن هَذَا لم يكن ظَاهرا فِي زمن الْأَنْبِيَاء قبل الرَّسُول، وَلم يذكرهُ شَاعِر من الْعَرَب قبل زمَان النَّبِي، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا فِي ابْتِدَاء أَمر النَّبِي، وَكَانَ ذَلِك أساسا لنبوته، وَإِنَّمَا ذكر الشُّعَرَاء ذَلِك فِي زَمَانه، قَالَ الشَّاعِر:
(كَأَنَّهُ كَوْكَب فِي إِثْر عفرية | مُسَوَّم فِي سَواد اللَّيْل منقضب) |