﴿لتنبئهم بأمرهم هَذَا وهم لَا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجَاءُوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق وَتَركنَا يُوسُف عِنْد متاعنا فَأَكله الذِّئْب وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا﴾ يَدَيْهِ ثمَّ ألقوه. وَفِي بعض الرِّوَايَات: (أَنهم) جَعَلُوهُ فِي دلو وأرسلوه فِي الْبِئْر، فَلَمَّا بلغ المَاء فَإِذا صَخْرَة فَقَامَ عَلَيْهَا. وَرُوِيَ أَنهم قَالُوا لَهُ: اقعد فِي ذَلِك الطاق من الْبِئْر، فَإِذا جَاءَ من يَسْتَقِي فَتعلق بالدلو حَتَّى تخرج.
قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي: لما صَار يُوسُف فِي الْبِئْر دَعَا الله تَعَالَى فَقَالَ: يَا شَاهدا غير غَائِب، وَيَا غَالِبا غير مغلوب، وَيَا قَرِيبا غير بعيد، اجْعَل لي مِمَّا أَنا فِيهِ فرجا ومخرجا.
ثمَّ اخْتلفت الرِّوَايَة أَنه كم بَات فِي الْبِئْر؟ فالأكثرون: أَنه بَات فِيهَا ثَلَاث ليَالِي وَالْقَوْل الآخر: أَنه بَات فِيهَا لَيْلَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وأوحينا إِلَيْهِ لتنبئنهم بأمرهم هَذَا﴾ [قَول] أَكثر أهل التَّفْسِير على أَن هَذَا الْوَحْي إِلَى يُوسُف، وَبعث الله جِبْرِيل يؤنسه ويبشره بِالْخرُوجِ ويخبره: أَنه ينبئهم بِمَا فعلوا ويجازيهم عَلَيْهِ وهم لَا يعْرفُونَ أَنه يُوسُف، وَسَيَأْتِي بعد هَذِه الْقِصَّة. وَقيل: ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَنه أوحى إِلَيْهِ.
وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن الْوَحْي هَاهُنَا هُوَ الإلهام؛ وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وأوحينا إِلَى أم مُوسَى أَن أرضعيه﴾ وَأما إتْيَان جِبْرِيل كَانَ بعد هَذَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَاءُوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ﴾ قَالَ أهل الْمعَانِي: جَاءُوا فِي ظلمَة الْعشَاء ليكونوا أجرأ على الِاعْتِذَار بِالْكَذِبِ؛ فَروِيَ أَن يَعْقُوب سمع صِيَاحهمْ وعويلهم فَخرج وَقَالَ: مَا لكم؟ هَل أصَاب الذِّئْب من غنمكم شَيْئا؟ قَالُوا: لَا؛ وَإِنَّمَا الذِّئْب أكل يُوسُف. وَقَرَأَ الْحسن: " غشاء يَبْكُونَ "، وَمَعْنَاهُ: قد غشيت أَبْصَارهم من الْبكاء.
وَقَوله: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق﴾ أَي: ننتضل وَنَنْظُر لمن السَّبق. وَقيل:


الصفحة التالية
Icon