﴿من أمره على من يَشَاء من عباده أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون (٢) خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يشركُونَ (٣) خلق الْإِنْسَان من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين (٤) والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) وَلكم﴾ مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: أَن الرّوح خلق من خلق الله تَعَالَى على صور بني آدم، وَلَيْسوا بِالْمَلَائِكَةِ، لَا ينزل الله ملكا إِلَّا وَمَعَهُ روح، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الرّوح هُوَ الْوَحْي؛ لِأَنَّهُ تقع بِهِ حَيَاة الْقُلُوب، كالروح تقع بهَا حَيَاة الْأَبدَان، وَقيل: إِنَّهَا النُّبُوَّة، وَقيل: إِنَّهَا الرَّحْمَة.
وَقَوله: ﴿على من يَشَاء من عباده﴾ يَعْنِي: من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ.
وَقَوله: ﴿أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون﴾ مَعْنَاهُ: مُرُوهُمْ بقول لَا إِلَه إِلَّا الله منذرين ومخوفين لَهُم بِالْعَذَابِ؛ يَقُولُوا أَو لم يَقُولُوا. فَقَوله: ﴿فاتقون﴾ أَي: فخافون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ أَي: لإِظْهَار الْحق. وَقَوله تَعَالَى: ﴿تَعَالَى عَمَّا يشركُونَ﴾ أَي: ارْتَفع عَمَّا يشركُونَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿خلق الْإِنْسَان من نُطْفَة﴾ يُقَال: إِنَّه نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي بن خلف، وَالصَّحِيح أَنَّهَا عَامَّة فِي الْكل. وَقَوله: ﴿من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين﴾ أَي: مخاصم مفصح عَمَّا فِي ضَمِيره بِالْخُصُومَةِ، وَالْخُصُومَة: قد تكون حَسَنَة، وَقد تكون قبيحة؛ فالحسن مِنْهَا مَا كَانَ لإِظْهَار الْحق، والقبيح مَا كَانَ لدفع الْحق، وَمعنى الْآيَة بَيَان الْقُدْرَة، وَهِي أَن الله تَعَالَى خلق النُّطْفَة من كَائِن بِهَذِهِ الْحَالة، وَقيل: إِن المُرَاد من الْآيَة بَيَان النِّعْمَة، وَقيل: إِن المُرَاد من الْآيَة كشف قَبِيح مَا فعلوا من جحدهم نعْمَة الله مَعَ ظُهُورهَا عَلَيْهِم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء﴾ الدفء هُوَ الْحر المعتدل الَّذِي يكون فِي بدن الْإِنْسَان من الدثار. وَأما معنى الْآيَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: الدفء هُوَ اللبَاس، وَقَالَ قَتَادَة: مَا يستدفأ بِهِ من الأصواف والأوبار، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَقَالَ بَعضهم: الدفء هُوَ النَّسْل، وَذكر الْآمِدِيّ أَن هَذَا من كَلَام الْعَرَب.


الصفحة التالية
Icon