﴿وأتاهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يخزيهم وَيَقُول أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تشاقون فيهم قَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم إِن الخزي الْيَوْم وَالسوء على الْكَافرين (٢٧) الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم فَألْقوا السّلم مَا كُنَّا نعمل من سوء بلَى إِن﴾ تَحْتَهُ. وَقَوله: ﴿وأتاهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ مَعْنَاهُ: من الْجِهَة الَّتِي كَانُوا آمِنين مِنْهَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يخزيهم﴾ يَعْنِي: يذلهم ويهينهم فِيهَا. وَقَوله: ﴿وَيَقُول أَيْن شركاءي الَّذين كُنْتُم تشاقون فيهم﴾ أَي: تعادون الْمُؤمنِينَ فيهم.
فَإِن قيل: أَيْن شركائي؟ وَلَيْسَ لله شريك، فَكيف معنى الْآيَة؟ وَالْجَوَاب أَن مَعْنَاهَا: أَيْن شكائي فِي زعمكم؟ ﴿وَمِنْهُم من قَالَ: أَيْن الَّذين كُنْتُم تدعونهم شُرَكَاء؟﴾
وَقَوله: ﴿قَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله: ﴿إِن الخزي الْيَوْم وَالسوء على الْكَافرين﴾ مَعْنَاهُ: أَن الْعَذَاب الْيَوْم والهوان على الْكَافرين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: هَذِه نزلت فِي قوم أَسْلمُوا بِمَكَّة، فَلَمَّا هَاجر النَّبِي لم يهاجروا، ثمَّ إِن الْمُشْركين لما هَاجرُوا إِلَى بدر أخرجوهم مَعَ أنفسهم، فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِي وَقلة من مَعَه ظنُّوا أَنهم يهْلكُوا على أَيدي الْمُشْركين، فَمَكَثُوا مَعَ الْكفَّار فَقتلُوا يَوْمئِذٍ فَأنْزل الله تَعَالَى فيهم هَذِه الْآيَة: ﴿الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم﴾ مَعْنَاهُ: فِي حَال ظلمهم أنفسهم بتركهم المهاجرة مَعَ النَّبِي وخروجهم مَعَ الْكفَّار.
قَوْله: ﴿فَألْقوا السّلم﴾ أَي: استسلموا وانقادوا لملك الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿مَا كُنَّا نعمل من سوء﴾ أَي: مَا كُنَّا مُشْرِكين. وَقَوله: ﴿بلَى إِن الله عليم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ مَعْنَاهُ: أَن الله عليم بأنكم عملتم عمل الْكفَّار - وَعمل الْكفَّار هُوَ ترك المهاجرة وَالْخُرُوج مَعَ الْمُشْركين - وَقد كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام لَا يقبل