﴿سَاءَ مَا يحكمون (٥٩) للَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة مثل السوء وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم (٦٠) وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس بظلمهم مَا ترك عَلَيْهَا من دَابَّة وَلَكِن﴾
وَقَوله: ﴿أَلا سَاءَ مَا يحكمون﴾ أَي: بئس مَا يحكمون، وحكمهم: وأد الْبَنَات وَترك الْبَنِينَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿للَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة مثل السوء﴾ أَي: صفة السوء، وَقيل: عَاقِبَة السوء. وَقَوله: ﴿وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى﴾ أَي: الصّفة الْعليا، وَذَلِكَ مثل قَوْلهم: عَالم وقادر ورازق وَحي، وَغير هَذَا.
وَقَالَ مُجَاهِد: " وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى " شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، فَإِن قيل: قد قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال﴾ وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى﴾ فَكيف وَجه الْجمع؟ وَالْجَوَاب أَن معنى قَوْله: ﴿فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال﴾ أَي: الْأَمْثَال الَّتِي هِيَ الْأَشْبَاه فَإِن الله تَعَالَى لَا شبه لَهُ، وَأما قَوْله: ﴿وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى﴾ أَي: الصّفة الْعليا، وَهَذَا جَائِز لكل أحد أَن يَقُوله، بل وَاجِب. وَقَوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ قد بَينا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس بظلمهم﴾ أَي: بكفرهم. وَقَوله: ﴿مَا ترك عَلَيْهَا من دَابَّة﴾ رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: إِن الْجعل فِي جُحْره يعذب بذنب بني آدم، وَعَن أبي هُرَيْرَة أَنه سمع رجلا يَقُول: إِن الظَّالِم لَا يضر إِلَّا نَفسه، فَقَالَ لَهُ: بئْسَمَا قلت، إِن الْحُبَارَى تَمُوت هزلا من ظلم الظَّالِم.
وَقَالَ بعض أهل الْمعَانِي معنى الْآيَة: لَو أَخذ الظَّالِمين فَأهْلك الْآبَاء انْقَطع النَّسْل، وَلم يُوجد الْأَبْنَاء فَيهْلك من فِي الأَرْض.