﴿يخرج من بطونها شراب مُخْتَلف ألوانه فِيهِ شِفَاء للنَّاس إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يتفكرون﴾
وَقَوله: ﴿ذللا﴾ يحْتَمل وَجْهَيْن:
يحْتَمل أَنه رَاجع إِلَى الطّرق، يُقَال: سَبِيل ذَلُول، وسبل ذلل، إِذا كَانَت سهلة المسلك، وَيحْتَمل أَنه ينْصَرف إِلَى النَّحْل، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا مطيعة منقادة لما خلقت لَهُ، وَيُقَال: إِن للنحل يعسوبا - وَهُوَ سيد النَّحْل - إِذا وقفت وقفت، وَإِذا سَارَتْ سَارَتْ، وَيُقَال: " ذللا " يَعْنِي لأربابها؛ فَإِنَّهُ قد جرت الْعَادة أَن أَرْبَابهَا ينقلونها من مَكَان إِلَى مَكَان، فَهِيَ مسخرة لذَلِك.
وَقَوله: ﴿يخرط من بطونها﴾. فَإِن قَالَ قَائِل: إِنَّمَا يخرج من أفواهها لَا من بطونها؟، وَالْجَوَاب عَنهُ أَنه إِنَّمَا ذكر بطونها لِأَن الاستحالة تقع فِي بطونها؛ وَلِأَنَّهُ يخرج من بطونها إِلَى أفواهها، ثمَّ تسيل من أفواهها كَهَيئَةِ الرِّيق، وَرُوِيَ أَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - مر على عبد الرَّحْمَن بن عتاب بن أسيد، وَهُوَ مقتول يَوْم الْجمل؛ فَقَالَ: هَذَا يعسوب قُرَيْش شفيت نَفسِي، وَقتلت قومِي، أَشْكُو إِلَى الله عجري وبجري، أَي: همومي وأحزاني.
وَقَوله: ﴿شراب مُخْتَلف ألوانه﴾ يَعْنِي: أَحْمَر، وأصفر، وأبيض. وَقَوله: ﴿فِيهِ شِفَاء للنَّاس﴾ لَا يشكل على أحد أَن فِي الْعَسَل شِفَاء لبَعض الْأَمْرَاض، وَقد يَجْعَل فِي المعجونات وَكثير من الْأَدْوِيَة، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فِيهِ شِفَاء للنَّاس، أَي: فِي الْقُرْآن، وَالْأَظْهَر فِي الْآيَة هُوَ القَوْل الأول.
وروى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: " أَن رجلا أَتَى النَّبِي وَذكر أَن أَخَاهُ اشْتَكَى بَطْنه فَقَالَ: اسْقِهِ عسلا، فَسَقَاهُ، فَزَاد الوجع، فَعَاد وَذكر لَهُ؛ فَقَالَ: اسْقِهِ عسلا، فَسَقَاهُ فازداد وجعا، فَعَاد وَذَلِكَ لَهُ ذَلِك؛ فَقَالَ: اسْقِهِ عسلا، فَسَقَاهُ فبرأ، فَعَاد وَذكر ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ: صدق الله، وَكذب بطن أَخِيك ".
وَعَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: من اشْتَكَى شَيْئا فليأخذ من امْرَأَته أَرْبَعَة