﴿وَكم أهلكنا من الْقُرُون من بعد نوح وَكفى بِرَبِّك بذنوب عباده خَبِيرا بَصيرًا (١٧) من كَانَ يُرِيد العاجلة عجلنا لَهُ فِيهَا مَا نشَاء لمن نُرِيد ثمَّ جعلنَا لَهُ جَهَنَّم يصلاها مذموما مَدْحُورًا (١٨) وَمن أَرَادَ الْآخِرَة وسعى لَهَا سعيها وَهُوَ مُؤمن فَأُولَئِك كَانَ سَعْيهمْ مشكورا (١٩) ﴾ لَا يَأْمر بالفحشاء) ؟ وَالْجَوَاب مَا سبق.
وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث وَهُوَ أَنه معنى قَوْله: ﴿أمرنَا مُتْرَفِيهَا﴾ أَي: بعثنَا، وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " وَإِذا أردنَا أَن نهلك قَرْيَة بعثنَا مُتْرَفِيهَا "، وَأما قَوْله: " أمرنَا " بِالتَّشْدِيدِ أَي: سلطنا.
وَقيل: أمرنَا أَي: جعلناهم أُمَرَاء؛ فَيجوز أَن يكون بعثنَا على هَذَا الْمَعْنى.
وَأما " أمرنَا " - بِكَسْر - الْمِيم فقد ذكرُوا أَنه ضَعِيف فِي اللُّغَة.
وَقَوله: ﴿مُتْرَفِيهَا﴾ أَي: منعميها، والمترف: الْملك الْمُنعم، أوردهُ ثَعْلَب.
وَقَوله: ﴿ففسقوا فِيهَا﴾ أَي: عصوا فِيهَا. ﴿فَحق عَلَيْهَا القَوْل﴾ أَي: وَجب عَلَيْهَا الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿فدمرناها تدميرا﴾ أَي: أهلكناها إهلاكا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَكم أهلكنا من الْقُرُون من بعد نوح﴾. اخْتلفُوا فِي الْقرن، فَقَالَ بَعضهم: الْقرن مائَة وَعِشْرُونَ سنة، وَقَالَ بَعضهم: مائَة سنة، وَقَالَ بَعضهم: ثَمَانُون سنة، وَقَالَ بَعضهم: أَرْبَعُونَ سنة، وَالْمرَاد من الْقُرُون أهل الْقُرُون.
وَقَوله: ﴿وَكفى بِرَبِّك بذنوب عباده خَبِيرا بَصيرًا﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿من كَانَ يُرِيد العاجلة﴾ أَي: الدُّنْيَا، وَهَذَا وصف الْكفَّار؛ لأَنهم الَّذين يُرِيدُونَ الدُّنْيَا، وَلَا يُرِيدُونَ الْآخِرَة، وَالْآيَة فِي قوم أَرَادوا العاجلة فَحسب.
وَقَوله: ﴿عجلنا لَهُ فِيهَا مَا نشَاء لمن نُرِيد﴾ يَعْنِي: لمن نُرِيد إهلاكه.
وَقَوله: ﴿ثمَّ جعلنَا لَهُ جَهَنَّم يصلاها﴾ أَي: يدخلهَا، وَقيل: يقاسي حرهَا.
وَقَوله: ﴿مذموما مَدْحُورًا﴾ والمذموم من الذَّم، والمدحور هُوَ المطرود والمبعد من


الصفحة التالية
Icon