﴿كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا (٣٦) وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحا إِنَّك لن تخرق الأَرْض وَلنْ تبلغ الْجبَال طولا (٣٧) كل ذَلِك كَانَ سيئه عِنْد رَبك مَكْرُوها (٣٨) ذَلِك مِمَّا﴾
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد يسْأَل عَمَّا فعله الْمَرْء. فَإِن قيل: قد قَالَ: ﴿كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسئولا﴾، وَأُولَئِكَ لَا يُقَال إِلَّا للعقلاء؟ وَالْجَوَاب: قُلْنَا: يجوز أَن يُقَال لغير الْعُقَلَاء. قَالَ جرير:
(ذمّ الْمنَازل بعد منزلَة اللوى | والعيش بعد أُولَئِكَ الْأَيَّام) |
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحا﴾ المرح هُوَ الْفَرح بِالْبَاطِلِ، وَيُقَال: هُوَ الأشر والبطر، وَيُقَال: هُوَ البأو وَالْعَظَمَة، وَقيل: الْخُيَلَاء.
وَقَوله: ﴿إِنَّك لن تخرق الأَرْض﴾ أَي: لن تثقب الأَرْض، وَقيل: لن تقطع الأَرْض بالسير.
وَقَوله: ﴿وَلنْ تبلغ الْجبَال طولا﴾ أَي: لَا يقدر أَن يَتَطَاوَل الْجبَال، وَفِي الْمَعْنى وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن الْإِنْسَان إِذا مَشى مختالا، فَمرَّة يمشي على عَقِبَيْهِ، وَمرَّة يمشي على صُدُور قَدَمَيْهِ. فَقَالَ: لن تثقب الأَرْض إِن مشيت على عقبيك، وَلنْ تبلغ الْجبَال طولا إِن مشيت على صُدُور قَدَمَيْك.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن من أَرَادَ أَن يخرق الأَرْض أَو يطاول الْجبَال لَا يحصل على شَيْء، فَكَذَلِك من مَشى مختالا لَا يحصل باختياله على شَيْء.
وَقَوله: ﴿كل ذَلِك كَانَ سَيِّئَة عِنْد رَبك مَكْرُوها﴾ قرى: " سيئه " وَقَوله: " سَيِّئَة " بِالتَّنْوِينِ أَي: كل مَا نهيت عَنهُ فِي هَذِه الْآيَات فَهِيَ سَيِّئَة مَكْرُوهَة عِنْد رَبك، وَمن قَرَأَ " سيئه " بِالرَّفْع فَمَعْنَاه على التَّبْعِيض؛ لِأَنَّهُ قد تقدم بعض مَا لَيْسَ بسيئة مثل قَوْله: ﴿وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه﴾، وَكَذَلِكَ قَوْله: ﴿واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة وَقل رب ارحمهما﴾ وَغير ذَلِك. فَمَعْنَاه أَن مَا تقدم فِي هَذِه الْآيَات من السَّيئَة مَكْرُوهَة عِنْد رَبك.
الصفحة التالية