﴿إِذا لأذقناك ضعف الْحَيَاة وَضعف الْمَمَات ثمَّ لَا تَجِد لَك علينا نَصِيرًا (٧٥) ﴾ أعلم بِرَسُولِهِ من غَيره، وَقد قَالَ قَتَادَة: لما وَقع هَذَا كَانَ رَسُول الله يَقُول بعد ذَلِك: " اللَّهُمَّ، لَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طرفَة عين ".
وَالْجَوَاب الثَّانِي: وَهُوَ أَنه قَالَ: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك لقد كدت تركن﴾ وَقد ثبته وَلم يركن، وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته﴾ إِلَى أَن قَالَ: ﴿إِلَّا قَلِيلا﴾ وَقد تفضل الله، ورحم، وَلم يتبعوا الشَّيْطَان.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا لأذقناك ضعف الْحَيَاة وَضعف الْمَمَات﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: ضعف عَذَاب الْحَيَاة، وَضعف عَذَاب الْمَمَات.
وَقيل: ضعف عَذَاب الدُّنْيَا، وَضعف عَذَاب الْآخِرَة، وَقيل: إِن الضعْف بِمَعْنى الْعَذَاب، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لأذقناك عَذَاب الْحَيَاة وَعَذَاب الْمَمَات، وَإِنَّمَا سمي الْعَذَاب ضعفا لتضاعف الْأَلَم فِيهِ.
فَإِن قيل: لم يُضَاعف الْعَذَاب لَهُ؟ قُلْنَا: لعلو مرتبته كَمَا يُضَاعف الثَّوَاب لَهُ عِنْد الطَّاعَة. وَقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين﴾ وَالْمعْنَى مَا بَينا.
وَقَوله: ﴿ثمَّ لَا تَجِد لَك علينا نَصِيرًا﴾ أَي: لَا تَجِد من يمنعنا من عذابك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض ليخرجوك مِنْهَا﴾ الاستفزاز: هُوَ الإزعاج بِسُرْعَة. وَاخْتلفُوا فِي معنى هَذِه الْآيَة، فَقَالَ بَعضهم: إِنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ، وَسبب نُزُولهَا أَن يهود قُرَيْظَة وَالنضير وَبني قينقاع أَتَوا النَّبِي، وَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم، قد علمت أَن بِلَاد الْأَنْبِيَاء هِيَ الشَّام وَهِي الأَرْض المقدسة، وَمَتى سَمِعت