﴿وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا (٨٥) ﴾
وَذكر بعض أهل الْمعَانِي: أَن الرّوح معنى اجْتمع فِيهِ النُّور وَالطّيب وَالْعلم والعلو والبقاء، أَلا ترى أَنه إِذا كَانَ مَوْجُودا رَأَتْ الْعين وَسمعت الْأذن، فَإِذا ذهب الرّوح فَاتَ السّمع وَالْبَصَر، وَإِذا كَانَ مَوْجُودا فالإنسان طيب فَإِذا خرج أنتن وَإِذا كَانَ مَوْجُودا فيوجد فِي الْإِنْسَان الْعلم بالأشياء، فَإِذا فَاتَ صَار جَاهِلا، وَكَذَلِكَ تُوجد فِيهِ الْحَيَاة فَإِذا فَاتَ صَار الْإِنْسَان مَيتا، وَيُوجد فِيهِ الْعُلُوّ واللطافة فَاتَ تسفل وكنف.
وَأولى الْأَقَاوِيل فِي الرّوح أَن يُوكل علمه إِلَى الله.
وَيُقَال: هُوَ معنى يحيا بِهِ الْإِنْسَان لَا يُعلمهُ إِلَّا الله. وَذكر الْقُرْآن أَن الله تَعَالَى لم يخبر أحدا بِمَعْنى الرّوح، وَلَا يُعلمهُ غَيره. وَعَن عبد الله بن بُرَيْدَة أَنه قَالَ: إِن الله تَعَالَى لم يطلع على معنى الرّوح ملكا مقربا، وَلَا نَبيا مُرْسلا، وَخرج رَسُول الله من الدُّنْيَا، وَلم يعلم معنى الرّوح، وَالله أعلم.
وَقَوله: ﴿قل الرّوح من أَمر رَبِّي﴾ مَعْنَاهُ: من علم رَبِّي، وَقد قَالَ بَعضهم: إِن رَسُول الله علم معنى الرّوح إِلَّا أَنه لم يُخْبِرهُمْ بِهِ؛ لِأَن ترك إخبارهم بِهِ كَانَ علما على نبوته. وَأَيْضًا لم يُخْبِرهُمْ بِهِ؛ لِئَلَّا يكون إخْبَاره ذَرِيعَة إِلَى سُؤَالهمْ عَمَّا لَا يعنيهم.
وَقَوله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا﴾ يَعْنِي: فِي جنب علم الله، وَيُقَال: إِن هَذَا خطاب للْيَهُود على معنى أَنه قَالَ للنَّبِي: قل للْيَهُود.
وَقيل: إِنَّه خطاب للرسول. وَقد رُوِيَ أَن الْيَهُود قَالُوا: قد أوتينا التَّوْرَاة، وفيهَا الْعلم الْكثير؛ فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات رَبِّي﴾ الْآيَة مَعْنَاهُ: أَن مَا أُوتِيتُمْ من الْعلم الَّذِي فِي التَّوْرَاة قَلِيل فِي جنب علم الله.