﴿حَيا (١٥) وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم إِذْ انتبذت من أَهلهَا مَكَانا شرقيا (١٦) فاتخذت من دونهم حِجَابا فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا فتمثل لَهَا بشرا سويا (١٧) قَالَت إِنِّي أعوذ﴾ الْأُم على وَحْشَة شَدِيدَة، وَيَمُوت على وَحْشَة شَدِيدَة، وَيبْعَث على وَحْشَة شَدِيدَة. وَمعنى السَّلَام هُوَ: الْأمان فِي هَذِه الْمَوَاضِع.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم إِذا انتبذت من أَهلهَا﴾ أَي: تنحت واعتزلت. وَقَوله: ﴿من أَهلهَا﴾ أَي: من قَومهَا.
وَقَوله: ﴿مَكَانا شرقيا﴾ أَي: من جَانب الْمشرق، وَيُقَال: كَانَ يَوْمًا شاتيا شَدِيد الْبرد، فَذَهَبت إِلَى مشرقه تفلي رَأسهَا. وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَت طهرت من الْحيض فَذَهَبت لتغتسل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فاتخذت من دونهم حِجَابا﴾ اخْتلف القَوْل فِي هَذَا الْحجاب: أحد الْأَقْوَال: أَنه وَرَاء جِدَار، وَقيل: وَرَاء جبل، وَالْقَوْل الثَّالِث: وَرَاء ستر. وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَت تجردت لتغتسل.
وَقَوله: ﴿فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا﴾ الْأَكْثَرُونَ على أَنه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيه قَول آخر: أَن المُرَاد من الرّوح عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، جَاءَ فِي صُورَة بشر، وحملت بِهِ، وَالصَّحِيح هُوَ القَوْل الأول.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فتمثل لَهَا بشرا سويا﴾ فِي الْقِصَّة: أَنه جِبْرِيل جَاءَ فِي صُورَة غُلَام أَمْرَد وضىء الْوَجْه، (لَهُ) جعد قطط.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا﴾ يَعْنِي: أستجير بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا. فَإِن قيل: إِنَّمَا يستعاذ بالرحمن من الشَّخْص إِذا كَانَ فَاجِرًا، فَأَما إِذا كَانَ متقيا لَا يكون مَحل الِاسْتِعَاذَة مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ متقي لَا يقدم على الْفُجُور، وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن هَذَا كَقَوْل الْقَائِل: إِن كنت مُؤمنا فَلَا تظلمني، يَعْنِي أَنه يَنْبَغِي أَن


الصفحة التالية
Icon