﴿مَكَانا قصيا (٢٢) فأجاءها الْمَخَاض إِلَى جذع النَّخْلَة قَالَت يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا وَكنت﴾
وَقَوله: ﴿فانتبذت﴾ أَي: فتنحت وَتَبَاعَدَتْ ﴿بِهِ مَكَانا قصيا﴾ أَي: شاسعا بَعيدا.
قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ الْحمل والولادة فِي سَاعَة وَاحِدَة.
وَقَالَ غَيره: حملت بِهِ ثَمَانِيَة أشهر، وَولدت لَهَا، وَلَا يعِيش ولد فِي الْعَالم يود لثمانية أشهر، وَكَانَ هَذَا معْجزَة لعيسى.
وَفِي الْقِصَّة عَن مَرْيَم أَنَّهَا قَالَت: كنت إِذا خلوت جعل عِيسَى يحدثني، وَأَنا أحدثه وَهُوَ فِي بَطْني، وَإِذا كنت مَعَ النَّاس، وتكلمت مَعَهم أَخذ يسبح وأسمع تسبيحه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فأجاءها الْمَخَاض إِلَى جذع النَّخْلَة﴾ وَقَالَ أهل اللُّغَة: جاءها وأجاءها بِمَعْنى وَاحِد، كَمَا يُقَال: أذهبته وَذَهَبت بِهِ. قَالَ مُجَاهِد: فأجاءها أَي: فألجأها. وَفِي حرف ابْن مَسْعُود: " فأداها الْمَخَاض إِلَى جذع النَّخْلَة ". وَفِي بعض الْقِرَاءَة: " فاجأها " من المفاجئة، قَالَ الشَّاعِر:

(وجار سَار مُعْتَمدًا عَلَيْكُم فاجاءته المخافة والرجاء)
والمخاض: وجع الْولادَة. فَإِن قَالَ قَائِل: لم التجأت إِلَى جذع النَّخْلَة؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: لتستظل بهَا، وَالأَصَح أَنَّهَا التجأت إِلَى النَّخْلَة، لتستند إِلَيْهَا، أَو لتتمسك بهَا، فتستعين بذلك على وجع الْولادَة. وَالدَّلِيل على أَن هَذَا القَوْل أصح، أَو أَنه من الْمَشْهُور أَن النَّخْلَة كَانَت يابسة لَا رَأس لَهَا، وَقيل: كَانَت نخرة مجوفة، وَمثل هَذَا لَا يستظل بهَا وَالصَّحِيح هُوَ القَوْل الثَّانِي. وَعَن السّديّ أَنه قَالَ: كَانَت النَّخْلَة يابسة، فَلَمَّا هزت النَّخْلَة حييت، وأورقت وأطلعت ثمَّ صَار الطّلع بلحا، ثمَّ زهوا ثمَّ أرطبت، وتساقطت عَلَيْهَا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قَالَت يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا وَكنت نسيا منسيا﴾


الصفحة التالية
Icon