( ﴿٢٩) قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب وَجَعَلَنِي نَبيا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا دمت حَيا (٣١) وَبرا بوالدتي وَلم يَجْعَلنِي جبارا شقيا﴾
وَقَوله: ﴿آتَانِي الْكتاب﴾. أَي: الْإِنْجِيل. وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه أُوتِيَ الْإِنْجِيل وَهُوَ صَغِير طِفْل؛ إِلَّا أَنهم قَالُوا: كَانَ يعقل عقل الرِّجَال. هَذَا قَول الْحسن وَغَيره من السّلف، وَعَن الْحسن أَنه قَالَ: جعل نَبيا، وأوتي الْإِنْجِيل، وَهُوَ فِي بطن أمه.
وَقَالَ بَعضهم: ﴿آتَانِي الْكتاب﴾ أَي: سيؤتيني الْكتاب، ويجعلني نَبيا إِذا صرت رجلا. وَالصَّحِيح هُوَ الأول. وَقَالَ بَعضهم: كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت على وصف آدم فِي الْعقل وَالْعلم دون الْقَامَة والجثة.
وَعَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أسلمته أمه إِلَى الْمعلم، فَقَالَ الْمعلم: قل بِسم. فَقَالَ: الله. فَقَالَ: قل: الرَّحْمَن. قَالَ: الرَّحِيم. فَجعل كلما ذكر اسْما ذكر هُوَ الَّذِي يَلِيهِ، فَقَالَ الْمعلم: هَذَا أعلم مني، ثمَّ جعل يخبر الصّبيان بِمَا خبأت أمهاتهم فِي الْبيُوت، فَجعل الصّبيان يرجعُونَ إِلَى بُيُوتهم ويأخذونها، فضجت الْأُمَّهَات من ذَلِك.
فَقَوله: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا﴾ أَي: نَفَّاعًا معلما للخير، وَقَالَ الضَّحَّاك: قَضَاء للحوائج.
وَقَالَ الثَّوْريّ: آمرا بِالْمَعْرُوفِ وناهيا عَن الْمُنكر.
وَقَوله: ﴿أَيْنَمَا كنت﴾ أَي: حَيْثُ كنت.
وَقَوله: ﴿وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة﴾ أَي: أَمرنِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة. فَإِن قيل: لم يكن لعيسى مَال، فَكيف يُؤمر بِالزَّكَاةِ؟ وَالْجَوَاب: أَن مَعْنَاهُ أَمرنِي بِالزَّكَاةِ لَو كَانَ لي مَال، وَقيل: أَمرنِي بِالزَّكَاةِ أَي: بِالطَّهَارَةِ من الذُّنُوب، وَيُقَال: بالاستكثار من الْخَيْر.
وَقَوله: ﴿مادمت حَيا﴾ أَي: مَا حييت.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَبرا بوالدتي﴾ أَي: رءوفا وعطوفا بوالدتي.


الصفحة التالية
Icon