﴿لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا إِلَّا سَلاما وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا (٦٢) تِلْكَ الْجنَّة الَّتِي﴾ وصل إِلَيّ الْخَيْر:
وَيُقَال معنى قَوْله: (" آتِيَا " أَي: " مأتيا ") مفعول بِمَعْنى الْفَاعِل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا إِلَّا سَلاما﴾
الغغو: هُوَ الْفَاسِد من الْكَلَام، وَمَا لَا معنى لَهُ، وَقيل: هُوَ الهذر من القَوْل، وَقيل: الْقَبِيح مِنْهُ، وَقيل: هُوَ الْحلف الكاذبة.
وَقَوله: ﴿إِلَّا سَلاما﴾. مَعْنَاهُ: لَكِن يسمعُونَ سَلاما. فَإِن قيل: أَيجوزُ اسْتثِْنَاء السَّلَام من اللَّغْو؛ وَهُوَ لَيْسَ من جنسه؟ قُلْنَا: هُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع كَمَا بَينا. وَذكر الْأَزْهَرِي أَن تَقْدِيره: لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا، لَا يسمعُونَ إِلَّا سَلاما. وَأما السَّلَام فَهُوَ تَسْلِيم بَعضهم على بعض، وَقيل: تَسْلِيم الله عَلَيْهِم. وَيُقَال: هُوَ قَول يسلمُونَ مِنْهُ. وَالسَّلَام اسْم لكَلَام جَامع للخيارت، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ اسْم لكَلَام يتَّصل بِهِ السَّلامَة.
وَقَوله: ﴿وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا﴾ فَإِن قيل: مَا معنى قَوْله: ﴿بكرَة وعشيا﴾، وَلَيْسَ فِي الْجنَّة ليل وَلَا نَهَار؟ ! وَالْجَوَاب عَنهُ أَن مَعْنَاهُ: بكرَة وعشياء أَي: على مقادير الْبكر والعشايا.
وَيُقَال: إِنَّه يعرف وَقت النَّهَار بِرَفْع الْحجب وَفتح الْأَبْوَاب، وَوقت اللَّيْل بإسبال الْحجب وغلق الْأَبْوَاب.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معنى قَوْله: ﴿بكرَة وعشيا﴾ أَي: لَهُم فِيهَا رفاهة الْعَيْش؛ الرزق الْوَاسِع من غير تضييق وَلَا تقتير.
وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة قَالَ: لقد علمت الْعَرَب أَن أرفه الْعَيْش هُوَ الرزق بالبكرة والعشية، وَلَا يعْرفُونَ من الرَّفَاهِيَة فَوق هَذَا.


الصفحة التالية
Icon