﴿مِمَّن خلق الأَرْض وَالسَّمَوَات العلى (٤) الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى (٥) لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا بَينهمَا﴾ يخْشَى.
وَقَوله: ﴿تَنْزِيلا﴾ أَي: منزل تَنْزِيلا من الله (الَّذِي) ﴿خلق الأَرْض وَالسَّمَوَات العلى﴾ والعلى: جمع الْعليا.
وَقَوله: ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ اعْلَم أَن مخارج الاسْتوَاء فِي اللُّغَة كَثِيرَة: وَقد يكون بِمَعْنى الْعُلُوّ، وَقد يكون بِمَعْنى الِاسْتِقْرَار، وَقد يكون بِمَعْنى الِاسْتِيلَاء - على بعد - وَقد يكون بِمَعْنى الإقبال.
وَالْمذهب عِنْد أهل السّنة أَنه يُؤمن بِهِ وَلَا يكيف، وَقد [رووا] عَن جَعْفَر بن عبد الله، وَبشر الْخفاف قَالَا: كُنَّا عِنْد مَالك، فَأَتَاهُ رجل وَسَأَلَهُ عَن قَوْله: ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ كَيفَ اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ مَالك مَلِيًّا، وعلاه الرحضاء، ثمَّ قَالَ: الكيف غير مَعْقُول، والاستواء مَجْهُول، وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب، وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة، وَمَا أَظُنك إِلَّا ضَالًّا، ثمَّ أَمر بِهِ فَأخْرج.
وَنقل أهل الحَدِيث عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَاللَّيْث بن سعد، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعبد الله بن الْمُبَارك أَنهم قَالُوا فِي الْآيَات المتشابهة: أمروها كَمَا جَاءَت.
وَقَالَ بَعضهم: تَأْوِيله الْإِيمَان بِهِ، وَأما تَأْوِيل الاسْتوَاء بالاستقبال، فَهُوَ تَأْوِيل الْمُعْتَزلَة.
وَذكر الزّجاج، والنحاس، وَجَمَاعَة [من] النُّحَاة من أهل السّنة: أَنه لَا يُسمى الاسْتوَاء اسْتِيلَاء فِي اللُّغَة إِلَّا إِذا غلب غَيره عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يجوز على الله تَعَالَى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا بَينهمَا﴾ أَي: علم مَا فِي السَّمَوَات، وَمَا فِي الأَرْض، وَمَا بَينهمَا.


الصفحة التالية
Icon