﴿فقولا لَهُ قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى (٤٤) قَالَا رَبنَا إننا نَخَاف أَن يفرط علينا أَو أَن﴾ مَعْنَاهُ: كنياه. وَاخْتلفُوا فِي كنيته: مِنْهُم من قَالَ: كنيته أَبُو الْوَلِيد، وَمِنْهُم من قَالَ: أَبُو مرّة وَمِنْهُم من قَالَ: أَبُو الْعَبَّاس، وَالله أعلم.
وَقَوله: ﴿لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى﴾. أَي: يتعظ وَيخَاف. فَإِن قيل قَوْله ﴿لَعَلَّه﴾ تطميع، فَكيف يطمعهما فِي إِسْلَامه، وَقد قدر أَنه لَا يسلم؟ قُلْنَا مَعْنَاهُ: اذْهَبَا على رجائكما وطمعكما، وَقَضَاء الله وَرَاء أمركما، وَقَالَ بَعضهم: قد تذكر وَخَافَ، إِلَّا أَنه حِين لم تَنْفَعهُ التَّذْكِرَة وَالْخَوْف، وَقد بَينا فِي سُورَة يُونُس.
وَفِي قَوْله: ﴿فقولا لَهُ قولا لينًا﴾ كَلِمَات مَعْرُوفَة؛ قَالَ بَعضهم: هَذَا رفقك بِمن يَقُول: أَنا الْإِلَه، فَكيف رفقك بِمن يَقُول: أَنْت الْإِلَه، وَهَذَا رفقك بالكفار، فَكيف رفقك بالأبرار؟ وَهَذَا رفقك بِمن جحدك، فَكيف رفقك بِمن وَحدك. وَهَذِه تحببك إِلَى من تعاديه، فَكيف إِلَى من تواليه وتناديه؟.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَا رَبنَا إننا نَخَاف أَن يفرط علينا أَو أَن يطغى﴾ يَعْنِي: أَن يُبَادر ويعجل بعقوبتنا قبل أَن نريه الْآيَات. وَحكي عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ: كَانَ مُوسَى يخَاف من فِرْعَوْن خوفًا شَدِيدا، وَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ، يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَره، وأدرأك فِي نَحره، فحول الله تَعَالَى ذَلِك الْخَوْف إِلَى فِرْعَوْن؛ فَكَانَ إِذا رأى مُوسَى بَال فِي ثِيَابه كَمَا يَبُول الْحمار.
وَفِي بعض المسانيد بِرِوَايَة ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِذا دخل أحدكُم على سُلْطَان يخَاف تغطرسه، فَلْيقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَره، وَشر أحزابه؛ أَن يفرط أحد مِنْهُم عَليّ أَو يطغى، عز جَارك، وَجل ثناؤك، وَلَا إِلَه غَيْرك ".


الصفحة التالية
Icon