﴿وَقد أَفْلح الْيَوْم من استعلى (٦٤) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون أول من ألْقى (٦٥) قَالَ بل ألقوا فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى (٦٦) فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى (٦٧) [الْمصلى]، وَمَعْنَاهُ: ثمَّ ائْتُوا الْمَكَان الْمَوْعُود.
وَقَوله: {وَقد أَفْلح الْيَوْم من استعلى﴾
أَي: سعد وفاز من كَانَت لَهُ الْغَلَبَة فِي الْيَوْم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون أول من ألْقى﴾ مَعْنَاهُ: اختر، إِمَّا أَن تلقي أَنْت أَولا، أَو نلقي نَحن أَولا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ بل ألقوا﴾ يَعْنِي: ابتدءوا أَنْتُم بالإلقاء. فَإِن قَالَ قَائِل: إلقاؤهم كَانَ كفرا وسحرا، فَهَل يجوز أَن يَأْمُرهُم مُوسَى بالإلقاء الَّذِي هُوَ سحر وَكفر؟ الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن هَذَا أَمر بِمَعْنى الْخَبَر، وَمَعْنَاهُ: إِن كَانَ إلقاؤكم عنْدكُمْ حجَّة فَألْقوا، وَالثَّانِي: أَنه أَمرهم بالإلقاء على قصد إبِْطَال سحرهم بِمَا يلقى من عَصَاهُ، وَهَذَا جَائِز.
وَقَوله: ﴿فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى﴾ وقرىء بِالْيَاءِ وَالتَّاء " تخيل "، فَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ، فَهُوَ رَاجع إِلَى العصي والحبال، فأنثت لِأَنَّهَا جمع، وَأما بِالْيَاءِ فَيَنْصَرِف إِلَى الْإِلْقَاء. وَفِي الْقِصَّة: أَنهم لما ألقوا الحبال والعصي رأى مُوسَى وَالْقَوْم كَأَن الأَرْض امْتَلَأت حيات، وَهِي تسْعَى أَي: تذْهب وتجيء. وَاعْلَم أَن التخايل مَا لَا أصل لَهُ. وَيُقَال: إِنَّهُم أخذُوا بأعين النَّاس، فظنوا وَحَسبُوا أَنَّهَا حيات، وَقيل: إِن حبالهم وعصيهم أخذت ميلًا من هَذَا الْجَانِب، وميلا من ذَلِك الْجَانِب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى﴾ أَي: وجد فِي نَفسه خيفة، وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الْخَوْف على قَوْلَيْنِ:


الصفحة التالية
Icon