﴿قَاض إِنَّمَا تقضي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا (٧٢) إِنَّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر وَالله خير وَأبقى (٧٣) إِنَّه من يَأْتِ ربه مجرما فَإِن لَهُ جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا﴾
وَقَوله: ﴿إِنَّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا﴾ أَي: ذنوبنا.
وَقَوله: ﴿وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر﴾ فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا وَقد جَاءُوا مختارين، وحلفوا بعزة فِرْعَوْن أَن لَهُم الْغَلَبَة على مَا ذكر فِي مَوضِع آخر؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن يجْبر قوما على تعلم السحر؛ لكيلا يذهب أَصله، وَكَانَ قد أكرههم فِي الِابْتِدَاء على تعلمه، فأرادوا بذلك.
وَقَوله: ﴿وَالله خير وَأبقى﴾ قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب مَعْنَاهُ: وَالله خير ثَوابًا إِن أطيع، وَأبقى عقَابا إِن عصي. يُقَال: إِن أَمر السُّلْطَان إِكْرَاه؛ فَلهَذَا قَالُوا: وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر، لما سجدوا أَرَاهُم الله تَعَالَى مواضعهم فِي الْجنَّة، وَمَا أعد لَهُم من الثَّوَاب والكرامة، فَلَمَّا رفعوا رُءُوسهم وَقد [رَأَوْا] قَالُوا مَا قَالُوا.
وَعَن عِكْرِمَة: أَصْبحُوا وهم سحرة، وأمسوا وهم شُهَدَاء.
وَرُوِيَ أَن الْحسن كَانَ إِذا بلغ إِلَى هَذِه الْآيَة قَالَ: عجبا لقوم كَافِرين سحرة من أَشد النَّاس كفرا، رسخ الْإِيمَان فِي قُلُوبهم حِين قَالُوا مَا قَالُوا، وَلم يبالوا بِعَذَاب فِرْعَوْن، وَترى الرجل من هَؤُلَاءِ يصحب الْإِيمَان سِتِّينَ سنة، ثمَّ يَبِيعهُ بِثمن يسير.
وَفِي الْقِصَّة: أَن امْرَأَة فِرْعَوْن كَانَت تستخبر فِي ذَلِك الْيَوْم لمن الْغَلَبَة، فَلَمَّا أخْبرت أَن الْغَلَبَة كَانَت لمُوسَى، أظهرت الْإِيمَان لله، فَذكر ذَلِك لفرعون، فَبعث قوما، وَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى أعظم صَخْرَة، فَإِن أصرت على قَوْلهَا، فَألْقوا عَلَيْهَا الصَّخْرَة، فأراها الله تَعَالَى موضعهَا من الْجنَّة، وَقبض روحها، فَجَاءُوا وألقوا الصَّخْرَة على جَسَد ميت.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّه من يَأْتِ ربه مجرما﴾ قَالَ بَعضهم: هَذَا من قَول السَّحَرَة، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ ابْتِدَاء كَلَام من الله تَعَالَى. قَوْله: ﴿مجرما﴾ أَي: مُشْركًا.
وَقَوله: ﴿فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى﴾ أَي: لَا يحيا حَيَاة ينْتَفع بهَا،


الصفحة التالية
Icon