﴿بنؤم لَا تَأْخُذ بلحيتي وَلَا برأسي إِنِّي خشيت أَن تَقول فرقت بَين بَين إِسْرَائِيل وَلم ترقب قولي (٩٤) ﴾ عاتبه مُوسَى فِي تَركه الْقِتَال، يَعْنِي: لَو كنت أَنا مَكَانك كنت أقاتلهم، فَهَلا فعلت مثل ذَلِك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ يَابْنَ أم﴾. قرىء: " يَا بن أم " بِالنّصب و " يَابْنَ أم " بِالْكَسْرِ، وَقد بَينا هَذَا من قبل.
وَقَوله: ﴿لَا تَأْخُذ بلحيتي وَلَا برأسي﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: أَخذ رَأسه بِيَمِينِهِ، وَأخذ لحيته بيساره، وَيُقَال: إِن المُرَاد من الرَّأْس شعر الرَّأْس، وَيُقَال: أَرَادَ بِالرَّأْسِ الْأذن، فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا تهاون بِنَبِي من أَنْبيَاء الله، فَتكون كَبِيرَة من الْكَبَائِر، فَكيف وَجه فعل هَذَا من مُوسَى؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه يحْتَمل أَنه لم يكن مثل هَذَا الْفِعْل تهاونا فِي عَادَتهم، فَكَانَ الْأَخْذ باللحية شبه الْأَخْذ بالكف عِنْدهم، وَقَالَ بَعضهم: أَنه أَخذ بلحيته كَمَا يَأْخُذ الْإِنْسَان بلحية نَفسه عِنْد الْغَضَب فَجعله كنفسه، وَقد رُوِيَ أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - كَانَ إِذا غضب جعل يفتل شَاربه، وَأولى الْأَجْوِبَة أَن هَذَا فعل الْإِنْسَان بِمثلِهِ وشكله عِنْد الْغَضَب، فَتكون صَغِيرَة لَا كَبِيرَة، والصغائر جَائِزَة على الْأَنْبِيَاء، وَإِنَّمَا ذكر هَارُون " الْأُم "، وَلم يذكر " الْأَب "، ليرققه على نَفسه.
وَقَوله: ﴿إِنِّي خشيت أَن تَقول فرقت بَين بني إِسْرَائِيل﴾ هَذَا بَيَان مَا رَأْي من الرَّأْي، يَعْنِي: خشيت أَن تَقول: جعلتهم أحزابا، فحزب عبدُوا الْعجل، وحزب قَاتلُوا، وحزب أَمْسكُوا عَن الْقِتَال، والتبس عَلَيْهِم أَنه هَل يجوز الْقِتَال أَو لَا؟، وحزب أَنْكَرُوا لم يُقَاتلُون؟ فَكل هَذَا التَّفَرُّق كَانَ جَائِزا لَو قَاتل هَارُون.
وَقَوله: ﴿وَلم ترقب قولي﴾ أَي: لم تحفظ قولي، وَهَذَا منصرف إِلَى قَوْله: ﴿واخلفني فِي قومِي وَأصْلح﴾ (وَقد بَينا أَن معنى قَوْله: ﴿وَأصْلح﴾ ) أَي: ارْفُقْ، فَرَأى أَن الرِّفْق أَن يكف يَده.


الصفحة التالية
Icon