﴿إِلَه من دونه فَذَلِك نجزيه جَهَنَّم كَذَلِك نجزي الظَّالِمين (٢٩) أَو لم ير الَّذين كفرُوا أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا ففتقناهما وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ أَفلا يُؤمنُونَ﴾ قَالُوا، وَلم يَقُولُوا، وَالْجَوَاب الْمَعْرُوف: أَن المُرَاد مِنْهُ إِبْلِيس لَعنه الله؛ فَإِنَّهُ دَعَا النَّاس إِلَى طَاعَته، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه﴾ وَهَذَا دَلِيل على أَن من دَعَا إنْسَانا إِلَى طَاعَته فِي مَعْصِيّة الْخَالِق فَكَأَنَّهُ قَالَ: اعبدني أَو اتَّخَذَنِي إِلَهًا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو لم ير الَّذين كفرُوا أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا ففتقناهما﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: قد قَالَ: أَو لم ير الْكفَّار، [و] لم يرَوا شَيْئا من هَذَا وَلَا الْمُسلمُونَ! وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن مَعْنَاهُ أَو لم يعلمُوا بإخبارك إيَّاهُم، وَقيل: أَو لم يخبروا. وَأما الرتق فِي اللُّغَة هُوَ السد، والفتق هُوَ الشق، قَالَ الشَّاعِر:

(يهون عَلَيْهِم إِذا يغضبون سخط العداة وإرغامها)
(ورتق الفتوق وفتق الرتوق وَنقض الْأُمُور وإبرامها)
وَأما معنى الْآيَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: قَوْله: ﴿كَانَتَا رتقا﴾ أَي: كَانَ السَّمَاء وَالْأَرْض ملتصقين، ففتقناهما بالهواء، وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: كَانَ السَّمَاء شَيْئا وَاحِدًا، ففتقناها، وجعلناها سبع سموات، وَكَانَت الأَرْض شَيْئا وَاحِدًا ففتقناها، وجعلناها سبع أَرضين، وَالْقَوْل الثَّالِث قَالَه مُجَاهِد: فتقنا السَّمَاء بالمطر، وَالْأَرْض بالنبات.
وَقَوله: ﴿وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: قد خلق بعض مَا هُوَ حَيّ من غير المَاء، فَكيف يَسْتَقِيم قَوْله: ﴿وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ﴾ ؟ وَأَيْضًا فَإِن الْإِنْسَان قد يَمُوت بِالْمَاءِ، وَالشَّجر والنبات قد يهْلك بِالْمَاءِ؟ وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن المَاء هَاهُنَا هُوَ النُّطْفَة، والحي هُوَ الْآدَمِيّ، وَمَعْنَاهُ: كل شَيْء حَيّ من الْآدَمِيّ. وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن هَذَا على وَجه التكثير، وَأكْثر الْأَحْيَاء فِي الأَرْض إِنَّمَا هُوَ مَخْلُوق من المَاء أَو بَقَاؤُهُ بِالْمَاءِ، فاستقام معنى الْآيَة من هَذَا الْوَجْه.


الصفحة التالية
Icon