﴿وَأَيوب إِذْ نَادَى ربه أَنِّي مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ (٨٣) ﴾
قَالَ الْفراء والزجاج معنى ذَلِك: أَنا حفظنا الشَّيَاطِين من أَن يفسدوا مَا عمِلُوا. وَفِي الْقِصَّة: أَن سُلَيْمَان كَانَ إِذا بعث شَيْطَانا مَعَ إِنْسَان ليعْمَل لَهُ عملا قَالَ لَهُ: إِذْ فرغ من عمله قبل اللَّيْل، أشغله بِعَمَل آخر؛ لِئَلَّا يفْسد مَا عمل، وَكَانَ من عَادَة الشَّيْطَان أَنه إِذا فرغ من الْعَمَل، وَلم يشغل بِعَمَل آخر يخرب مَا عمل، ويفسده، فَهَذَا معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَكُنَّا لَهُم حافظين﴾ على مَا ذكرنَا من الْفراء والزجاج، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَيوب إِذْ نَادَى ربه﴾ أَي: دَعَا ربه.
وَقَوله: ﴿أَنِّي مسني الضّر﴾ أَي: الْبلَاء والشدة، وَقيل: الْجهد.
وَقَوله: ﴿وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ﴾ أَي: أرْحم من يرحم.
وَاعْلَم أَن قصَّة أَيُّوب طَوِيلَة، وَذكر فِي التَّفْسِير مِنْهَا، وَكَذَا نذْكر بَعْضهَا، فَروِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَن الله تَعَالَى أعْطى أَيُّوب مَالا وَولدا، ثمَّ أهلك مَاله وَولده. وَذكر وهب بن مُنَبّه وَغَيره: أَنه كَانَ ذَلِك لتسليط إِبْلِيس على مَاله وَولده، قَالَ الْحسن: فَلَمَّا بلغه هَلَاك مَاله وَولده، حمد الله حمدا كثيرا وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّه كَانَ يشغلني مَالِي وَوَلَدي عَن عبادتك، والآن قد فرغ لَك سَمْعِي وبصري وقلبي وليلي ونهاري. قَالَ وهب: ثمَّ ابتلاه الله تَعَالَى فِي جِسْمه، وَكَانَ إِبْلِيس يحسده فِي كَثْرَة عِبَادَته وَكَثْرَة ثَنَاء أهل السَّمَاء عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رب، لَو ابتليته لقصر فِي عبادتك، فَقَالَ الله تَعَالَى لَهُ: سلطتك على جِسْمه سوى قلبه وَلسَانه وعقله - هَذَا قَول وهب وَغَيره، وَالله أعلم - ثمَّ ظهر الْبلَاء فِي جسم أَيُّوب، وَاشْتَدَّ بِهِ الْبلَاء غَايَة الشدَّة حَتَّى قرح جَمِيع جسده وتدود، واجتنبه جَمِيع قومه، وَأُلْقِي على مزبلة من مزابل بني إِسْرَائِيل، وَلم يقربهُ أحد غير امْرَأَته كَانَت تَتَصَدَّق النَّاس وتطعمه، وَاخْتلفُوا فِي مُدَّة بلائه: فَقَالَ ابْن عَبَّاس: سبع حجج، وَقَالَ وهب: ثَلَاث أَحْوَال.


الصفحة التالية
Icon