﴿لدينا مكين أَمِين (٥٤) قَالَ اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض إِنِّي حفيظ عليم (٥٥) وَكَذَلِكَ﴾
وَقَوله: ﴿إِن رَبِّي غَفُور رَحِيم﴾ ظَاهر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ أستخلصه لنَفْسي﴾ مَعْنَاهُ: أجعله خَاصّا لنَفْسي لَا يشركني فِيهِ أحد ﴿فَلَمَّا كَلمه﴾ فِي الْآيَة اخْتِصَار أَيْضا فَروِيَ أَنه ذهب الرَّسُول وَدعَاهُ فَقَامَ واغتسل وَلبس ثيابًا (نضافا) وَجَاء إِلَى الْملك. وَقَوله: ﴿فَلَمَّا كَلمه﴾ فِي الْقِصَّة أَن الْملك طلب مِنْهُ أَن يُعِيد تَعْبِير الرُّؤْيَا ليسمع مِنْهُ شفاها، فَقص عَلَيْهِ، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿فَلَمَّا كَلمه﴾ وَقيل: إِن الْملك كَانَ يعلم سبعين لُغَة من لُغَات النَّاس فَكلم يُوسُف بِتِلْكَ اللُّغَات فَأَجَابَهُ يُوسُف بهَا كلهَا وَزَاد (لِسَان) العبرية والعربية وَلم يكن الْملك يعلم ذَلِك، فَقَالَ: ﴿إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين﴾ والمكانة: هِيَ الجاه والحشمة والدرجة الرفيعة، وَقَوله: ﴿أَمِين﴾ أَي: صَادِق.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض﴾ اخْتلفُوا أَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لم طلب هَذَا؟ قَالَ (بَعضهم) : إِنَّمَا طلب ذَلِك لِأَنَّهُ عرف أَن ذَلِك؛ وَصله إِلَى وُصُول أَهله إِلَيْهِ من أَبِيه وَإِخْوَته وَغَيرهم، وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا طلب ذَلِك لِأَنَّهُ عرف أَنه أقوم النَّاس بِالْقيامِ بمصالح النَّاس فِي السنين الشداد، فَطلب لهَذَا الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض﴾ الأَرْض هَاهُنَا: أَرض مصر، والخزائن: هِيَ خَزَائِن الطَّعَام وَالْأَمْوَال. وَقَالَ ربيع بن أنس: " اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض " أَي: على خراج مصر ودخلها.
﴿إِنِّي حفيظ عليم﴾ أَي: حفيظ للخزائن، عليم بِوُجُوه مصالحها. وَفِي بعض التفاسير: " إِنِّي حفيظ عليم " أَي: كَاتب حاسب. فَإِن قيل: هَل يجوز أَن يتَوَلَّى الْمُسلم من يَد كَافِر عملا؟
قُلْنَا قد قَالُوا: إِنَّه إِذا علم أَن الْكَافِر يخليه وَالْعَمَل بِالْحَقِّ يجوز أَن يتَوَلَّى. وَقد