﴿بَينهم كل إِلَيْنَا رَاجِعُون (٩٣) فَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن فَلَا كفران لسعيه وَإِنَّا لَهُ كاتبون (٩٤) وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فتحت﴾ وَالْأمة فِي أصل اللُّغَة: اسْم للْجَمَاعَة، وسمى الدّين أمة؛ لِأَنَّهُ يبْعَث على الِاجْتِمَاع.
وَقَوله: ﴿وَأَنا ربكُم فاعبدون﴾ أَي: وحدوني، وَحَقِيقَة معنى الْآيَة: أَن الْملَّة الَّتِي دعوتكم إِلَيْهَا هِيَ مِلَّة الْأَنْبِيَاء قبلكُمْ، إِذْ دين الْكل وَاحِد، وَهَذَا فِي التَّوْحِيد، فَأَما الشَّرَائِع يجوز اختلافها، وَيُقَال: معنى الْآيَة: أَنكُمْ خلق وَاحِد وَكُونُوا على دين وَاحِد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وتقطعوا أَمرهم بَينهم﴾ أَي: دَعَوْت الْخلق إِلَى دين وَاحِد فَتَفَرَّقُوا، وَيُقَال: صَارُوا قطعا مُتَفَرّقين.
وَقَوله: ﴿كل إِلَيْنَا رَاجِعُون﴾ أَي: من تفرق، وَمن لم يتفرق.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن فَلَا كفران لسعيه﴾ أَي: لَا جحود لسعيه، وَقيل: لَا يخيب سَعْيه بل يجازى عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَإِنَّا لَهُ كاتبون﴾ أَي: حافظون، وَيُقَال: إِن معنى الشُّكْر من الله هُوَ المجازاة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَحرَام على قَرْيَة﴾ وقرىء: " وَحرم " قَالَ ابْن عَبَّاس معنى قَوْله ﴿حرَام﴾ أَي: وَاجِب، قَالَ الشَّاعِر:

(وَإِن حَرَامًا لَا أرى الدَّهْر باكيا على (شجوة) إِلَّا بَكَيْت على (عَمْرو))
أَي: وَاجِبا، فَمَعْنَى الْآيَة على هَذَا: أَنه وَاجِب على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا، فَإِن قيل: كَيفَ يُوجب عَلَيْهِم أَن لَا يرجِعوا وَلَيْسوا بِمحل الْإِيجَاب وَلَا الْإِبَاحَة [وَلَا] غَيره؟.


الصفحة التالية
Icon