﴿هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار يصب من﴾
وَقَوله: ﴿إِن الله يفعل مَا يَشَاء﴾ أَي: يكرم ويهين، ويشقي ويسعد، بمشيئته وإرادته، وَهُوَ اعْتِقَاد أهل السّنة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم﴾ فِي الْآيَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا نزلت فِي أهل الْكتاب (وَالْمُسْلِمين، قَالَ أهل الْكتاب) : ديننَا خير من دينكُمْ، وَنحن أَحَق بِاللَّه مِنْكُم؛ لِأَن نَبينَا وَكِتَابنَا أقدم، وَقَالَ الْمُسلمُونَ: نَحن أولى بِاللَّه مِنْكُم، وَدِيننَا خير من دينكُمْ؛ لِأَن كتَابنَا قَاض على الْكتب؛ وَلِأَن نَبينَا خَاتم النَّبِيين، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَهَذَا قَول قَتَادَة وَجَمَاعَة.
وَالثَّانِي: مَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن سيرن أَنه قَالَ: نزلت الْآيَة فِي الَّذين بارزوا يَوْم بدر من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين، فالمسلمون هم: حَمْزَة، وَعلي، وَعبيدَة بن الْحَارِث، وَالْمُشْرِكُونَ هم: شيبَة بن ربيعَة، وَعتبَة بن ربيعَة، والوليد بن عتبَة، فالآية نزلت فِي هَؤُلَاءِ السِّتَّة، وَكَانَ أَبُو ذَر يقسم بِاللَّه أَن الْآيَة نزلت فِي هَؤُلَاءِ، ذكره البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْآيَة نزلت فِي جملَة الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين.
وَالْقَوْل الرَّابِع: أَنَّهَا نزلت فِي الْجنَّة وَالنَّار اختصمتا، فَقَالَت الْجنَّة: خلقني الله؛ ليرحم بِي، وَقَالَت النَّار: خلقني الله؛ لينتقم بِي، وَهَذَا قَول عِكْرِمَة، وَالْمَعْرُوف الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ. قَالَ ابْن عَبَّاس: ذكر الله تَعَالَى سِتَّة أَجنَاس فِي قَوْله: ﴿إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا﴾ الْآيَة وَجعل خَمْسَة فِي النَّار وَوَاحِد للجنة فَقَوله: ﴿هَذَانِ خصمان﴾ ينْصَرف إِلَيْهِم، فالمؤمنون خصم، وَسَائِر الْخَمْسَة خصم.
وَقَوله: ﴿اخْتَصَمُوا فِي رَبهم﴾ أَي: جادلوا فِي رَبهم.
وَقَوله: ﴿فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار﴾ أَي: نُحَاس مذاب، وَيُقَال:


الصفحة التالية
Icon