﴿وَإِذ بوأنا لإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت أَن لَا تشرك بِي شَيْئا وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين﴾
أَي: تَدْعُو الْفَرح، وَهَذَا قَول الْفراء ونحاة الْكُوفَة، وَأما الْمبرد أنكر أَن تكون الْبَاء زَائِدَة وَقَالَ معنى الْآيَة: من يكون إِرَادَته فِيهِ بِأَن يلْحد بظُلْم، قَالَ الشَّاعِر:

(أُرِيد لأنسى ذكرهَا فَكَأَنَّمَا تمثل لي ليلى بِكُل سَبِيل)
وَمَعْنَاهُ: أَرَادَ فِي أَن أنسى.
وَقَوله: ﴿نذقه من عَذَاب أَلِيم﴾ أَي: يُوصل إِلَيْهِ الْعَذَاب الْأَلِيم، وَأما الْإِلْحَاد فَهُوَ الْميل، يُقَال: لحد وألحد بِمَعْنى وَاحِد، وَمِنْهُم من قَالَ: ألحد إِذا جادل، ولحد إِذا عدل عَن الْحق، وَأما معنى الْإِلْحَاد هَا هُنَا، قَالَ بَعضهم: هُوَ الشّرك، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ كل سَيِّئَة حَتَّى شتم الرجل غُلَامه، وَقَالَ عَطاء: الْإِلْحَاد فِي الْحرم هُوَ أَن يدْخل غير محرم، أَو يرتكب مَحْظُور الْحرم بِأَن يقتل صيدا، أَو يقْلع شَجَرَة. فَإِن قَالَ قَائِل: أيش معنى تَخْصِيص الْحرم بِهَذَا كُله؛ وكل من عمل سَيِّئَة، وَإِن كَانَ خَارج الْحرم اسْتحق الْعقُوبَة؟. وَالْجَوَاب: مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: من هم بخطيئة فِي غير الْحرم لم تكْتب عَلَيْهِ، وَمن هم بخطيئة فِي الْحرم كتب عَلَيْهِ، وَعنهُ أَنه قَالَ: وَإِن كَانَ بعدن أبين، وَمَعْنَاهُ: أَنه وَإِن كَانَ بَعيدا من الْحرم فَإِذا هم بخطيئة فِي الْحرم أَخذ بِهِ، وَهَذَا معنى الْإِرَادَة الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ بوأنا لإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت﴾ أَي: بَينا وَأَعْلَمنَا، وَإِنَّمَا ذكر ﴿مَكَان الْبَيْت﴾ ؛ لِأَن الْكَعْبَة رفعت إِلَى السَّمَاء من الطوفان، ثمَّ إِن الله تَعَالَى لما أَمر إِبْرَاهِيم بِبِنَاء الْبَيْت، بعث ريحًا خجوجا فكنس مَوضِع الْبَيْت حَتَّى أبدى عَن مَوضِع الْبناء. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: أَن الله تَعَالَى بعث سَحَابَة بِقدر الْبَيْت فِيهَا رَأس تكلم فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيم، ابْن بقدري، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿وَإِذ بوأنا لإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت﴾.
وَقَوله: ﴿أَلا تشرك بِي شَيْئا﴾ يَعْنِي: وَقُلْنَا لَهُ: لَا تشرك بِي شَيْئا.


الصفحة التالية
Icon