﴿يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم (٥١) ﴾ وَقَتَادَة والسدى وَجَمَاعَة: إِن المُرَاد من قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الرُّسُل﴾ هُوَ مُحَمَّد، وَالْعرب تذكر الْجمع، وتريد بِهِ الْوَاحِد، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ للرجل: أَيهَا الْقَوْم، كف عَنَّا أذاك وَمِنْهُم من قَالَ: إِن المُرَاد مِنْهُ جَمِيع الرُّسُل. وَقَالَ بَعضهم المُرَاد: عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - كَأَنَّهُ قَالَ: وَقُلْنَا لعيسى: يَا أَيهَا الرُّسُل، وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي قَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس، إِن الله لَا يقبل إِلَّا الطّيب، وَإِن الله تَعَالَى أَمر الْمُسلمين بِمَا أَمر بِهِ الْمُرْسلين فَقَالَ: ﴿يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا﴾ وَقَالَ للْمُؤْمِنين: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كلوا من طَيّبَات من رزقناكم واشكروا لله﴾ ثمَّ ذكر الرجل أَشْعَث أغبر يمد يَده إِلَى السَّمَاء، فَيَقُول: يَا رب، مطعمه حرَام، وملبسه حرَام، وغذى بالحرام، فَأنى يُسْتَجَاب لَهُ "؟ !
وَفِي الْقِصَّة: أَن عِيسَى كَانَ يَأْكُل من غزل أمه، وَالْأكل هُوَ أَخذ الشَّيْء بالفم؛ ليوصله إِلَى الْبَطن بالمضغ، وَأما قَوْله: ﴿من الطَّيِّبَات﴾ أَي: من الْحَلَال. وَقَوله: ﴿وَاعْمَلُوا صَالحا﴾ الصّلاح هُوَ الاسْتقَامَة على مَا توجبه الشَّرِيعَة.
وَقَوله: ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم﴾ هَذَا حث على فعل الطَّاعَة، يَعْنِي: اعْمَلُوا الصَّالِحَات، فَإِنِّي مجازيكم على عَمَلكُمْ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة﴾ أَي: دينكُمْ دين وَاحِد، وَقيل: شريعتكم شَرِيعَة وَاحِدَة، وَيُقَال: أَمرتكُم بِمَا أمرت بِهِ من قبلكُمْ من الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ، فأمركم وَاحِد.
وَقَوله: ﴿وَأَنا ربكُم فاتقون﴾ فاحذروني.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فتقطعوا أَمرهم بَينهم﴾ أَي: تفَرقُوا هودا ونصارى وصابئين ومجوسا. ﴿زبرا﴾ أَي: قطعا. قَالَ مُجَاهِد: ﴿زبرا﴾ كتبا أَي: جعلُوا كتبهمْ قطعا وَمَعْنَاهُ: آمنُوا بِالْبَعْضِ، وَكَفرُوا بِالْبَعْضِ، وحرفوا الْبَعْض، وَلم يحرفوا الْبَعْض.
وَقَوله: ﴿كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ﴾ أَي: مسرورون.


الصفحة التالية
Icon