﴿لمسكم فِي مَا أَفَضْتُم فِيهِ عَذَاب عَظِيم (١٤) إِذْ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم مَا لَيْسَ لكم بِهِ علم وتحسبونه هينا وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم (١٥) وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم (١٦) ﴾
قَوْله: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء﴾ أَي: على مَا زَعَمُوا.
وَقَوله: ﴿فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يصيرون عِنْد الله كاذبين إِذا لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ، (وَمن كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَاذِب عِنْد الله سَوَاء أَتَى بِالشُّهَدَاءِ)، أَو لم يَأْتِ بهم؟ الْجَواب: قُلْنَا: قَالَ بَعضهم: ﴿عِنْد الله﴾ أَي: فِي حكم الله، وَقَالَ بَعضهم: ﴿عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ﴾ أَي: كذبوهم بِمَا أَمركُم الله، وَالْجَوَاب الثَّالِث: أَن هَذَا فِي حق عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - فَمَعْنَاه: أُولَئِكَ هم الْكَاذِبُونَ فِي غيبي وَعلمِي.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لمسكم فِيمَا أَفَضْتُم فِيهِ عَذَاب عَظِيم﴾ أَفَضْتُم أَي: خضتم، وَقَوله: ﴿عَذَاب عَظِيم﴾ أَي: عَذَاب لَا انْقِطَاع لَهُ، هَكَذَا قَالَه ابْن عَبَّاس، وَفسّر بِهَذَا لِأَن الله تَعَالَى قد ذكر أَنه أصَاب الَّذِي تولى كبره عَذَاب عَظِيم، وَكَذَلِكَ الْعَذَاب الْعَظِيم هُوَ فِي الدُّنْيَا، وَقد أَصَابَهُ، فَإِنَّهُ قد جلد وحد، وَأما الْعَذَاب الَّذِي لَا انْقِطَاع لَهُ لم يصبهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يُصِيبهُ فِي الْآخِرَة.
وروت عمْرَة عَن عَائِشَة: " أَن النَّبِي لما نزلت هَذِه الْآيَات حد أَرْبَعَة نفر: عبد الله بن أبي، وَحسان بن ثَابت، ومسطح بن أَثَاثَة، وَحمْنَة بنت جحش ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذا تلقونه بألسنتكم﴾ أَي: يلقيه بَعْضكُم، وَيَرْوِيه بَعْضكُم عَن بعض، وَعَن عَائِشَة أَنَّهَا قَرَأت: " إِذْ تلقونه بألسنتكم الْكَذِب " وَيُقَال: هُوَ الْإِسْرَاع فِي