﴿فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا﴾
وَقَوله: ﴿وَالَّذين يَبْتَغُونَ الْكتاب مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم﴾ أَي: يطْلبُونَ الْكِتَابَة مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم، أَي: من العبيد وَالْإِمَاء، وَالْكِتَابَة هِيَ أَن يعْقد مَعَ عَبده عقدا على مَال بِشَرْط أَنه إِذا أدّى عتق، وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة: أَنه كَانَ لحويطب بن عبد الْعُزَّى غُلَام، وَطلب مِنْهُ أَن يكاتبه، فَأبى فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿فكاتبوهم﴾ أَكثر أهل الْعلم على أَنه أَمر ندب لَا حتم، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنه أَمر حتم إِذا كَانَ للْعَبد مَال يُؤدى، فروى (أَبُو مُحَمَّد بن سِيرِين) : كَانَ عبدا لأنس بن مَالك، وَطلب من أنس أَن يكاتبه، فَأبى فَذكر ذَلِك سِيرِين لعمر، فَقَالَ لأنس: كَاتبه، فَأبى، فعلاه الدرة حَتَّى كَاتبه. وَعَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أيجب على الْمولى أَن يُكَاتب عَبده إِذا طلب؟ قَالَ: نعم، وَمثله عَن الضَّحَّاك قَالَا: وَهَذَا إِذا كَانَ عِنْد (العقد) مَال، فَإِن لم يكن عِنْده مَال لم يجب، وَرُوِيَ أَن عبدا لسلمان قَالَ لَهُ: كاتبني، قَالَ: عنْدك مَال؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَتُرِيدُ أَن تطعمني أوساخ النَّاس؟ وَلم يكاتبه.
وَقَوله: ﴿إِن علمْتُم فيهم خيرا﴾ أَي: مَالا، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَمثله قَوْله: ﴿وَإنَّهُ لحب الْخَيْر لشديد﴾ أَي: لحب المَال. قَالَ الشَّاعِر:

(مَاذَا ترجى النُّفُوس من طلب الْخَيْر وَحب الْحَيَاة كاربها)
أَي: المَال، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: ﴿إِن علمْتُم فيهم خيرا﴾ أَي: دينا


الصفحة التالية
Icon