﴿قَالُوا تالله تفتأ تذكر يُوسُف حَتَّى تكون حرضا أَو تكون من الهالكين (٨٥) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ (٨٦) يَا بني﴾ قَوْله: ﴿يَا أسفى﴾ يَا حزن على يُوسُف، والأسف: شدَّة الْحزن. وَقَوله: ﴿وابيضت عَيناهُ من الْحزن﴾ يَعْنِي: غلب الْبيَاض على الحدقة وَذَهَبت الرُّؤْيَة. وَنسبه إِلَى الْحزن؛ لِأَنَّهُ كَانَ يبكي لشدَّة الْحزن وَعمي لشدَّة الْبكاء. وَقَوله: ﴿فَهُوَ كظيم﴾ أَي: مُمْسك على حزنه لَا يبثه وَلَا يذكرهُ للنَّاس. فَهَذَا بعد أَن نَهَاهُ الله عَن ذَلِك على مَا بَينا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا تالله تفتأ تذكر يُوسُف﴾ يَعْنِي: لَا تزَال تذكر يُوسُف، و " لَا " محذوفة، وَقَوله: ﴿حَتَّى تكون حرضا﴾ قَالَ ثَعْلَب - أَحْمد بن يحيى - الحرض: كل شَيْء لَا ينْتَفع بِهِ، قَالَ مُجَاهِد: الحرض مَا دون الْمَوْت، وَقَالَ الْفراء: الحرض هُوَ الَّذِي فسد جِسْمه وعقله، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الحرض هُوَ الَّذِي أذابه الْحزن. وَقيل: هُوَ المدنف البال، والأقوال مُتَقَارِبَة.
وَعَن أنس بن مَالك أَنه قَرَأَ: " حَتَّى تكون حرضا " والحرض: الأشنان، وَمَعْنَاهُ: حَتَّى تصير كعود [الأشنان]، وَقَوله: ﴿أَو تكون من الهالكين﴾ أَي: من الميتين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ﴾ قد بَينا الْخَبَر [الْوَارِد] فِي هَذَا بِرِوَايَة أنس. والبث: الْهم، ﴿وحزني إِلَى الله﴾، وروى أَنه قَالَ: يَا رب، أما ترحمني، قد أخذت مني كَذَا وَكَذَا - وَجعل يعدد - رد إِلَيّ ريحانتي (فأشمها شمة ثمَّ افْعَل) بِي مَا أردْت وَلَا أُبَالِي، فَأوحى الله - تَعَالَى - إِلَيْهِ: أَن اسكن وَفرغ روعك فسأردهما إِلَيْك. وَفِي الْآثَار المسندة عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: بَكَى يَعْقُوب ثَمَانِينَ سنة وَمَا جف لَهُ دمع، وَلم يكن على وَجه الأَرْض أحد أكْرم على الله مِنْهُ. قَوْله: ﴿وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ﴾ يَعْنِي: أعلم من حَيَاة يُوسُف مَا لَا تعلمُونَ، وَقيل: أعلم من تَحْقِيق رُؤْيا يُوسُف مَا لَا تعلمُونَ، فَإِن قَالَ قَائِل: