﴿من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قَالُوا تالله لقد آثرك الله علينا وَإِن كُنَّا لخاطئين (٩١) قَالَ لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم يغْفر الله لكم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بقميصي هَذَا فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا وأتوني بأهلكم﴾
حكى الضَّحَّاك أَن فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: " وَهَذَا أخي بيني وَبَينه قربى ". وَقَوله: ﴿قد من الله علينا﴾ أَي: أنعم الله علينا ﴿إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ﴾ مَعْنَاهُ: من يتق عَن الْمعاصِي ويصبر على الطَّاعَات والمصائب. وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: من يتق الزِّنَا ويصبر على الْعُزُوبَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا تالله لقد آثرك الله علينا﴾ يَعْنِي: فضلك الله علينا ﴿وَإِن كُنَّا لخاطئين﴾ وَمَا كُنَّا إِلَّا خاطئين، وَقيل: وَقد كُنَّا خاطئين، وَالْفرق بَين خطأ وَأَخْطَأ أَن خطأ: خطأ إِذا تعمد، وَأَخْطَأ: خطأ إِذا كَانَ غير متعمد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم﴾ التثريب هُوَ التعيير ذكره ثَعْلَب وَغَيره، وَقيل: لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم أَي: لَا عُقُوبَة عَلَيْكُم الْيَوْم بعد اعترافكم بالذنب، قَالَ الشَّاعِر:
(فعفوت عَنْكُم عَفْو غير مثرب | وتركتكم لعقاب يَوْم سرمد) |
قَوْله تَعَالَى: ﴿اذْهَبُوا بقميصي هَذَا﴾ رُوِيَ أَن الله تَعَالَى لما جعل النَّار على إِبْرَاهِيم بردا وَسلَامًا أنزل عَلَيْهِ قَمِيصًا من حَرِير الْجنَّة فَأعْطَاهُ إِبْرَاهِيم إِسْحَاق، وَأَعْطَاهُ إِسْحَاق يَعْقُوب فَجعله يَعْقُوب فِي (قَصَبَة) وَشد رَأسهَا وعلقها فِي عنق يُوسُف - عَلَيْهِ السَّلَام - وَكَانَ يكون فِي عُنُقه، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْوَقْت بعث الله جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - أَن افْتَحْ القصبة: وَابعث إِلَيْهِ بالقميص فَإِنَّهُ لَا يمسهُ مبتلى إِلَّا عوفي، وَلَا سقيم إِلَّا صَحَّ وبرأ، فَبعث بذلك الْقَمِيص إِلَى يَعْقُوب، فَهَذَا معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿اذْهَبُوا بقميصي هَذَا﴾ وَفِي الْقِصَّة أَن يهوذا قَالَ: أَنا أذهب بالقميص إِلَيْهِ فَإِنِّي