﴿قَالُوا تالله إِنَّك لفي ضلالك الْقَدِيم (٩٥) فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير أَلْقَاهُ على وَجهه فَارْتَد بَصيرًا قَالَ ألم أقل لكم إِنِّي أعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ (٩٦) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتغْفر﴾
(يَا صَاحِبي دَعَا الْمَلَامَة واقصرا | طَال الْهوى وأطلتما التفنيدا) |
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا تالله إِنَّك لفي ضلالك الْقَدِيم﴾ هَذَا قَول بني بنيه، فَإِن بنيه كَانُوا بِمصْر، وَمَعْنَاهُ: تالله إِنَّك لفي خطئك الْقَدِيم، وَالْخَطَأ: هُوَ الذّهاب عَن طَرِيق الصَّوَاب؛ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدهم أَن يُوسُف قد مَاتَ، وَكَانُوا يرَوْنَ يَعْقُوب قد لهج بِذكرِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يخرج من بَيته فيلقاه الرجل وَمَعَهُ شَيْء يحملهُ فَيَقُول: ضَعْهُ واسمع مني حَدِيثي، وَكَانَ يلقاه الْخَادِم وَالْجَارِيَة فَيَقُول مَعَه مثل هَذَا القَوْل؛ وَكَانُوا يظنون بِهِ خرفا وَخطأ عَظِيما، فَهَذَا معني قَوْلهم: إِنَّك لفي ضلالك الْقَدِيم، وَقيل: إِنَّك لفي [شقائك] الْقَدِيم، والشقاء هَاهُنَا بِمَعْنى التَّعَب، وَقيل: فِي غفلتك الْقَدِيمَة، وَقيل: فِي محبتك الْقَدِيمَة؛ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: فَكَانَ هَذَا عقوقا (عَظِيما) مِنْهُم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير أَلْقَاهُ على وَجهه﴾ وَمَعْنَاهُ: ألْقى الْقَمِيص على وَجهه. وَقَوله: ﴿فَارْتَد بَصيرًا﴾ أَي: عَاد بَصيرًا وَرجع بَصيرًا، فَروِيَ أَنه عَادَتْ قوته فِي الْحَال، وَذَهَبت [الغشاوة] وَزَالَ الْبيَاض الَّذِي كَانَ بِعَيْنِه، وَفتح عَيْنَيْهِ كأحسن مَا يكون، و ﴿قَالَ﴾ لِبَنِيهِ وَبني بنيه: ﴿ألم أقل لكم إِنِّي أعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ﴾ وَهَذَا دَلِيل على أَنه قد كَانَ قَالَ لَهُم: إِن يُوسُف حَيّ، وَإِنِّي أَرْجُو رُؤْيَته. (وَقيل) :﴿إِنِّي أعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ﴾ يَعْنِي: من تَحْقِيق رُؤْيا يُوسُف مَا لَا تعلمُونَ، وَفِي بعض الْأَخْبَار أَنه قَالَ للبشير: لَيْسَ عِنْدِي شَيْء أُعْطِيك وَلَكِن هون الله عَلَيْك سَكَرَات الْمَوْت. وَرُوِيَ أَنه لما جَاءَهُ خبر يُوسُف قَالَ للبشير: على أَي دين تركت يُوسُف؟ قَالَ: على دين الْإِسْلَام، قَالَ: الْآن تمت النِّعْمَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتغْفر لنا ذنوبنا إِنَّا كُنَّا خاطئين﴾ هَذَا دَلِيل على أَنهم عمِلُوا مَا عمِلُوا وَكَانُوا بالغين.
الصفحة التالية