﴿أَن نَزغ الشَّيْطَان يَبْنِي وَبَين إخوتي إِن رَبِّي لطيف لما يَشَاء إِنَّه هُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم (١٠٠) رب قد آتيتني من الْملك وعلمتني من تَأْوِيل الْأَحَادِيث فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْت وليي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة توفني مُسلما وألحقني بالصالحين (١٠١) ذَلِك من أنباء الْغَيْب﴾ الْجب تكرما لِأَن لَا يخجل الْإِخْوَة عَنهُ، وَكَانَ قد قَالَ: ﴿لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم﴾ وَفِي إِعَادَته تَثْرِيب وملامة، وَلِأَن النِّعْمَة عَلَيْهِ فِي الْإِخْرَاج من السجْن كَانَت أَكثر؛ لِأَنَّهُ أخرج من الْجب وَجعل عبدا، وَأخرج من السجْن وَجعل ملكا. قَوْله: ﴿وَجَاء بكم من البدو﴾ البدو: بسيط من الأَرْض يسكنهُ أهل الْمَاشِيَة بماشيتهم، وَقد كَانَ يَعْقُوب وَأَوْلَاده أهل مواشي وَعمد، والعمد: الْخيام، فَلهَذَا قَالَ: وَجَاء بكم من البدو. وَقَوله: ﴿من بعد أَن نَزغ الشَّيْطَان﴾ مَعْنَاهُ: من بعد أَن أفسد الشَّيْطَان ﴿بيني وَبَين إخوتي﴾ بِالْحَسَدِ. وَقَوله: ﴿إِن رَبِّي لطيف لما يَشَاء﴾ اللَّطِيف هُوَ: الرفيق، وَيُقَال معنى الْآيَة: إِن رَبِّي لطيف (بِمن) يَشَاء. وَحَقِيقَة اللَّطِيف هُوَ الَّذِي يُوصل الْإِحْسَان إِلَى غَيره بِرِفْق. وَقَوله: ﴿إِنَّه هُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿رب قد آتيتني من الْملك﴾ الْملك هُوَ: اتساع الْمَقْدُور لمن لَهُ السياسة وَالتَّدْبِير، وَأدْخل كلمة " من " وَهِي للتَّبْعِيض؛ لِأَنَّهُ كَانَ من يَد ملك مصر، وَقيل: " من " للتجنيس هَاهُنَا، قَالَ مُحَمَّد بن عَليّ الباقر: ملك يُوسُف اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة. وَقَالَ غَيره: ثَمَانِينَ سنة. وَقَوله: ﴿وعلمتني من تَأْوِيل الْأَحَادِيث﴾ يَعْنِي: علم الرُّؤْيَا. وَقَوله ﴿فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ مَعْنَاهُ: يَا فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض. وَقَوله: ﴿أَنْت ولي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾ يَعْنِي: أَنْت تلِي أَمْرِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَقَوله: ﴿توفني مُسلما﴾ مَعْنَاهُ: ثبتني على الْإِسْلَام عِنْد الْوَفَاة.
قَالَ قَتَادَة: وَلم يسْأَل نَبِي من الْأَنْبِيَاء الْمَوْت سوى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت لضر نزل بِهِ وَلَكِن ليقل: اللَّهُمَّ