﴿ليوسف وَأَخُوهُ أحب إِلَى أَبينَا منا وَنحن عصبَة إِن أَبَانَا لفي ضلال مُبين (٨) اقْتُلُوا﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين﴾ وَفِي بعض الْمَصَاحِف: " عِبْرَة للسائلين "، والآيات: جمع الْآيَة؛ وَالْآيَة: هِيَ الدّلَالَة على أَمر عَظِيم. وَفِي معنى الْآيَة قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَن الْيَهُود سَأَلُوا رَسُول الله عَن قصَّة يُوسُف - عَلَيْهِ [الصَّلَاة] السَّلَام - وَفِي بعض الرِّوَايَات (أَنهم سَأَلُوهُ) عَن سَبَب انْتِقَال ولد يَعْقُوب من كنعنان إِلَى مصر، فَذكر لَهُم قصَّة يُوسُف فوجدوها مُوَافقَة لما فِي التَّوْرَاة؛ فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿آيَات للسائلين﴾ أَي: دلَالَة على نبوة الرَّسُول.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن (نعنى) قَوْله: ﴿آيَات للسائلين﴾ يَعْنِي: أَنَّهَا غبر للمعتبرين فَإِنَّهَا تشْتَمل على ذكر حسد إخْوَة يُوسُف لَهُ وَمَا آل إِلَيْهِ أَمرهم فِي الْحَسَد، وتشتمل على ذكر رُؤْيَاهُ وَمَا حقق الله مِنْهَا، وتشتمل على مَا صَبر يُوسُف عَن قَضَاء الشَّهْوَة، وعَلى الْعُبُودِيَّة فِي السجْن، وَمَا آل إِلَيْهِ أمره من الْملك، وتشتمل أَيْضا على ذكر حزن يَعْقُوب وَمَا آل إِلَيْهِ أمره من الْوُصُول إِلَى المُرَاد، وَذَهَاب الْحزن عَنهُ، وَغير هَذَا مِمَّا يذكر فِي السُّورَة؛ فَهَذِهِ عبر للمعتبرين.
قَوْله: ﴿إِذْ قَالُوا ليوسف وَأَخُوهُ أحب إِلَى أَبينَا منا﴾ الْآيَة، كَانَ يُوسُف وَأَخُوهُ بنيامين من أم وَاحِدَة، وَكَانَ يَعْقُوب شَدِيد الْحبّ ليوسف، وَكَانَ إخْوَة يُوسُف يرَوْنَ مِنْهُ من الْميل إِلَيْهِ مَا لَا [يرونه] لأَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا هَذِه الْمقَالة. وَقَوله: ﴿وَنحن عصبَة﴾ قَالَ الْفراء: الْعصبَة هِيَ: الْعشْرَة فَمَا زَادَت. (قَالَ القتيبي) وَمن الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين. وَقَالَ غَيرهمَا: " وَنحن عصبَة " أَي: جمَاعَة يتعصب بَعْضنَا لبَعض. وَقَوله: ﴿إِن أَبَانَا لفي ضلال مُبين﴾ مَعْنَاهُ: إِن أَبَانَا لفي خطأ ظَاهر. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ وصفوا رَسُولا من رسل الله مثل يَعْقُوب بالضلالة؟
الْجَواب عَنهُ: لَيْسَ (الْمَعْنى) من الضلال هَاهُنَا هُوَ الضلال فِي الدّين، وَلَو


الصفحة التالية
Icon