﴿مئاب (٢٩) كَذَلِك أَرْسَلْنَاك فِي أمة قد خلت من قبلهَا أُمَم لتتلو عَلَيْهِم الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وهم يكفرون بالرحمن قل هُوَ رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ متاب (٣٠) ﴾ الضَّحَّاك: طُوبَى لَهُم أَي: غِبْطَة لَهُم. والأقوال مُتَقَارِبَة فِي الْمَعْنى، قَالَ الزّجاج: طُوبَى فعلى من الطّيب، وَمَعْنَاهَا: الْعَيْش الطّيب لَهُم.
وَقَوله: ﴿وَحسن مآب﴾ أَي: حسن مُنْقَلب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كَذَلِك أَرْسَلْنَاك فِي أمة﴾ الْآيَة. معنى كَاف التَّشْبِيه هَاهُنَا: إِنَّا كَمَا أرسلنَا الْأَنْبِيَاء إِلَى سَائِر الْأُمَم؛ كَذَلِك أَرْسَلْنَاك إِلَى هَذِه الْأمة.
قَوْله: ﴿قد خلت من قبلهَا أُمَم﴾ أَي: قد مَضَت من قبلهَا أُمَم. قَوْله: ﴿لتتلوا عَلَيْهِم الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك﴾ أَي. لتقرأ عَلَيْهِم الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك.
وَقَوله: ﴿وهم يكفرون بالرحمن﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: قَالَ ابْن جريج: الْآيَة مَدَنِيَّة فِي قصَّة الْحُدَيْبِيَة فَإِن سُهَيْل بن عَمْرو لما جَاءَ وَاتَّفَقُوا على أَن يكتبوا كتاب الصُّلْح، كتب عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، فَقَالُوا: لَا نَعْرِف الرَّحْمَن، اكْتُبْ كَمَا نكتب نَحن: بِاسْمِك اللَّهُمَّ... الْقِصَّة، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿وهم يكفرون بالرحمن﴾.
وَالْقَوْل الثَّانِي - وَهُوَ الْمَعْرُوف - أَن الْآيَة مَكِّيَّة، وَسبب نُزُولهَا أَن أَبَا جهل سمع النَّبِي وَهُوَ فِي الْحجر يَدْعُو وَيَقُول: " يَا الله، يَا رَحْمَن ". فَرجع إِلَى الْمُشْركين، وَقَالَ: إِن مُحَمَّدًا يَدْعُو إِلَهَيْنِ يَدْعُو الله، وَيَدْعُو آخر يُسمى الرَّحْمَن وَلَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا رَحْمَن الْيَمَامَة؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَأنزل أَيْضا قَوْله تَعَالَى: ﴿قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن﴾.
وَقَوله: ﴿قل هُوَ رَبِّي﴾ يَعْنِي قل: الرَّحْمَن رَبِّي ﴿لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت﴾ عَلَيْهِ اعتمدت وَبِه وثقت ﴿وَإِلَيْهِ متاب﴾ يَعْنِي: وَإِلَيْهِ التَّوْبَة، وَالتَّوْبَة هِيَ النَّدَم على مَا سلف من الجرائم مَعَ الإقلاع عَنْهَا فِي الْمُسْتَقْبل.


الصفحة التالية
Icon