﴿فَارغًا إِن كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا لتَكون من الْمُؤمنِينَ (١٠) وَقَالَت لأخته قصيه فبصرت بِهِ عَن جنب وهم لَا يَشْعُرُونَ (١١) وحرمنا عَلَيْهِ المراضع من﴾ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيرهم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿فَارغًا﴾ أَي: فَارغًا من الْحزن عَلَيْهِ لعلمها بِصدق وعد الله تَعَالَى، وَهَذَا قَول أبي عُبَيْدَة، وَأنكر القتيبي وَغَيره هَذَا القَوْل، وَقَالُوا: كَيفَ يَصح هَذَا وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿إِن كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا﴾ ؟ وَالْقَوْل الثَّالِث: " فَارغًا " أَي: نَاسِيا للوحي الَّذِي أنزل عَلَيْهَا، والعهد الَّذِي أَخذ عَلَيْهَا بألا تحزني من شدَّة البلية عَلَيْهِ، وَهَذَا معنى قَول الْحسن، وَقُرِئَ فِي الشاذ: " فَزعًا "، وَقد بَينا أَن معنى قَوْله: ﴿فَأصْبح﴾ أَي: صَار، وأنشدوا فِي هَذَا شعرًا:

(مضى الْخُلَفَاء بِالْأَمر الرشيد وأصبحت المذمة للوليد)
وَقَوله: ﴿إِن كَادَت لتبدي بِهِ﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: كَادَت تَقول: يَا إبناه.
وَقَوله: ﴿لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا﴾ أَي: بِالصبرِ، وَقيل: بِالْإِيمَان بالوعد، وَقيل: بالعصمة.
وَقَوله: ﴿لتَكون من الْمُؤمنِينَ﴾ أَي: من المصدقين،
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَقَالَت لأخته قصيه﴾ فِي الْقِصَّة: أَن اسْم [أُخْته] كَانَت مَرْيَم، وَقَوله: ﴿قصيه﴾ أَي: اتبعي أَثَره، وَمِنْه الْقَصَص؛ لِأَنَّهَا رِوَايَة يتبع بَعْضهَا بَعْضًا.
وَقَوله: ﴿فبصرت بِهِ عَن جنب﴾ أَي: [عَن بعد]، وَقيل: عَن جَانب، وَفِي الْقِصَّة: أَنَّهَا كَانَت تمشي جانبا، وَتنظر مختلسة وتري النَّاس أَنَّهَا لَا تنظر.
وَقَوله: ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَي: لَا يَشْعُرُونَ أَن هلاكهم على يَد مُوسَى، وَقيل: وهم لَا يعلمُونَ أَن الصَّبِي مُوسَى، وَأَن طَالبه أمه وَأُخْته، وأنشدوا قَول الشَّاعِر عَن جنب بِمَعْنى بعد:


الصفحة التالية
Icon