﴿صرفا وَلَا نصرا وَمن يظلم مِنْكُم نذقه عذَابا كَبِيرا (١٩) وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبك﴾. الْأَسْوَاق؟ وَهَذَا فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿قل مَا كنت بدعا من الرُّسُل﴾ إِن أَنا [إِلَّا] رَسُول مثل سَائِر الرُّسُل، فَإِذا جَازَ أَن يكون سَائِر الرُّسُل آدميين، فَيجوز أَن أكون آدَمِيًّا رَسُولا.
وَقَوله: ﴿وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة﴾. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن معنى ﴿فتْنَة﴾ للْفَقِير، فَيَقُول الْفَقِير: مَالِي لم أكن غَنِيا مثله؟ وَالصَّحِيح فتْنَة للْمَرِيض، فَيَقُول: مَالِي لم أكن صَحِيحا؟ وَمثل الشريف فتْنَة للوضيع، فَيَقُول: مَالِي لم أكن شريفا مثله؟.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْآيَة نزلت فِي رُءُوس الْمُشْركين مَعَ فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ، وفقراء الْمُؤمنِينَ مثل: عمار، وَابْن مَسْعُود، وبلال، وصهيب، وخباب، وسلمان وَغَيرهم، وَكَانَ الْمُشرك إِذا أَرَادَ أَن يسلم، فكر فِي نَفسه، فَيَقُول: هَذَا دين سبقني إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الأرذال، فَلَا أكون تبعا لَهُم، فَيمْتَنع من الْإِسْلَام.
وَقَوله: ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾ أَي: فَاصْبِرُوا.
وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ: " فَإِن فِي الصَّبْر على مَا تكره خيرا كثيرا "، وَهُوَ خبر طَوِيل.
وَيُقَال إِن معنى الْآيَة: أَتَصْبِرُونَ أَو لَا تصبرون؟ وَعَن بَعضهم أَنه رأى بعض الْأَغْنِيَاء وَقد مر عَلَيْهِ فِي موكبه، فَوقف وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ﴾ ثمَّ قَالَ: بلَى نصبر رَبنَا، بلَى نصبر رَبنَا، بلَى نصبر رَبنَا، ثَلَاث مَرَّات. وَأورد بَعضهم هَذِه الْحِكَايَة للمزني مَعَ الرّبيع بن سُلَيْمَان الْمرَادِي، وَعَن دَاوُد الطَّائِي أَنه


الصفحة التالية
Icon