﴿وَأَصْحَاب السَّفِينَة وجعلناها آيَة للْعَالمين (١٥) وَإِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله﴾
وروى أَنه كَانَ لَهُ بَيت من شعر، وَكَانَ [يُقَال] لَهُ: لَو بنيت بَيْتا من طين، فَكَانَ يَقُول: أَمُوت غَدا، أَو أَمُوت بعد غَد. فَخرج من الدُّنْيَا على ذَلِك، وَلم يبن بَيْتا. فَإِن قيل: قَوْله: ﴿فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما﴾ أيش فَائِدَة الِاسْتِثْنَاء فِي هَذِه الْآيَة؟.
وهلا قَالَ: فَلبث فيهم تِسْعمائَة وَخمسين عَاما؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن فَائِدَة الِاسْتِثْنَاء هُوَ التَّأْكِيد؛ فَإِن الْعَرَب إِذا قَالَت: جَاءَنِي اخوتك، يجوز أَن تُرِيدُ بِهِ جَمِيع الاخوة، وَيجوز أَن تُرِيدُ بِهِ الْأَكْثَر، فَإِذا قَالَ: جَاءَنِي اخوتك إِلَّا زيدا فتعلم قطعا أَنه جَاءَ كل الاخوة إِلَّا زيدا، فقد أَفَادَ الِاسْتِثْنَاء التَّأْكِيد من هَذَا الْوَجْه، وَقد قَالَ بَعضهم: قد كَانَ الله تَعَالَى جعل عمر نوح ألف سنة، فاستوهب بعض بنيه مِنْهُ خمسين عَاما فَوَهَبَهَا لَهُ، ثمَّ لما لما بلغ الْأَجَل طلب تَمام الْألف فَلم يُعْط، فَذكر الله تَعَالَى بِلَفْظ الِاسْتِثْنَاء ليدل على أَن النَّقْص كَانَ من قبله، وَهَذَا قَول غَرِيب.
وَقَوله: ﴿فَأَخذهُم الطوفان﴾ الطوفان: كل شئ كثير يطِيف بِالْجَمَاعَة مثل: غرق، أَو موت، أَو غير ذَلِك. قَالَ الراجز:
(أفناهم طوفان موت جارف... )
وَقَوله: ﴿وهم ظَالِمُونَ﴾ أَي: مشركون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة﴾ قد بَينا عدد من كَانَ فِي السَّفِينَة.
وَقَوله: ﴿وجعلناها آيَة للْعَالمين﴾ أَي: جعلنَا عقوبتنا إِيَّاهَا بِالْغَرَقِ آيَة للْعَالمين، وَيُقَال: جعلنَا السَّفِينَة آيَة للْعَالمين، فَإِنَّهَا كَانَت ملقاه على الجودى مُدَّة (مديدة).
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِبْرَاهِيم﴾ مَعْنَاهُ: وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيم ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله واتقوه﴾ أَي: أطِيعُوا الله واحذروا مَعْصِيَته.