﴿المأوى نزلا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ (١٩) وَأما الَّذين فسقوا فمأواهم النَّار كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا وَقيل لَهُم ذوقوا عَذَاب النَّار الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون (٢٠) ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر لَعَلَّهُم يرجعُونَ (٢١) وَمن أظلم﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا﴾ أَكثر الْمُفَسّرين أَن الْآيَة نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب والوليد بن عقبَة بن أبي معيط، وَذكر بَعضهم: عقبَة، وَالأَصَح هُوَ الأول. قَالَ الْوَلِيد: أَنا أحد مِنْك سِنَانًا، وأبسط مِنْك لِسَانا، وَأَمْلَأُ مِنْك للكتيبة. فَقَالَ لَهُ عَليّ: اسْكُتْ، إِنَّمَا انت فَاسق، فَانْزِل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة. وَقد بَينا أَن ثَلَاث آيَات من هَذِه السُّورَة نزلت بِالْمَدِينَةِ، وَهِي من هَذِه الْآيَة إِلَى آخر الثَّلَاث، وَاسْتدلَّ أهل الاعتزال بِهَذِهِ الاية فِي القَوْل بالمنزلة بَين المنزلتين، وَأَن الْفَاسِق لَا يكون مُؤمنا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِم ظَاهر. وَأما الْفَاسِق هَا هُنَا بِمَعْنى الْكَافِر. وَقَالَ بَعضهم: سَمَّاهُ فَاسِقًا على مُوَافقَة قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَقيل: إِن الْآيَة على الْعُمُوم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا يستوون﴾ أَي: لَا يستوون فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فَلهم جنَّات المأوى نزلا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ أَي: عَطاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ، وجنات المأوى هِيَ الجنات الَّتِي يأوي الْمُؤْمِنُونَ إِلَيْهَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأما الَّذين فسقوا فمأواهم النَّار﴾ أَي: [يأوون] إِلَى النَّار، ويأوون: يَنْقَلِبُون.
وَقَوله: ﴿كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا﴾ فِي بعض التفاسير: أَن لِجَهَنَّم ساحلا كساحل الْبَحْر، فَيخرج الْكفَّار إِلَيْهِ فَتحمل عَلَيْهِم حيات لَهَا أَنْيَاب كالنخيل، فيرجعون إِلَى النَّار ويستغيثون بهَا.
وَقَوله: ﴿وَقيل لَهُم ذوقوا عَذَاب النَّار الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون﴾ والأثر الَّذِي ذَكرْنَاهُ أوردهُ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس فِي تَفْسِيره.


الصفحة التالية
Icon