قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: فَلَمَّا اخترنه شكر الله تَعَالَى لَهُنَّ ذَلِك، فَنهى النَّبِي أَن يتَزَوَّج بسواهن أَو يتبدل بِهن، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج وَلَو أعْجبك حسنهنَّ﴾ وَسَنذكر حكم ذَلِك من بعد وَاخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْخِيَار، أَكَانَ طَلَاقا؟ وَإِنَّمَا خيرهن على إِن اخْترْنَ الدُّنْيَا فارقهن بِلَا طَلَاق، وَإِن اخترنه أمسكهن، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن هَذَا الْخِيَار كَانَ طَلَاقا فَكَأَنَّهُ خيرهن، وَلَو اخْترْنَ أَنْفسهنَّ كَانَ طَلَاقا.
وَاخْتلف الصَّحَابَة فِي الرجل يَقُول لإمرأته: اخْتَارِي. فَتَقول: اخْتَرْت نَفسِي، فَذهب عمر إِلَى أَنَّهَا لَو اخْتَارَتْ زَوجهَا لَا تكون شَيْئا، وَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فطلقة وَاحِدَة، وَالزَّوْج أَحَق برجعتها.
وَقَالَ عَليّ: إِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فطلقة وَاحِدَة، وَالزَّوْج أَحَق برجعتها، وَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَوَاحِدَة بَائِنَة، وَلَا يملك الزَّوْج رَجعتهَا، وَذهب إِلَى أَنَّهَا إِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَوَاحِدَة رَجْعِيَّة، وَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَثَلَاث، وَقد قيل غير هَذَا. وَهَذِه الْأَقْوَال الثَّلَاثَة هِيَ الْمَعْرُوفَة، وَقد ذهب إِلَى كل قَول من هَذِه الْأَقْوَال جمَاعَة من الْعلمَاء، وَالدَّلِيل على أَنَّهَا إِذا اخْتَارَتْ زَوجهَا لَا تكون طَلَاقا أَن عَائِشَة قَالَت: خيرنا رَسُول الله فاخترناه، أَفَكَانَ طَلَاقا؟ !
وَقَوله: ﴿فتعالين أمتعكن﴾ أَي: مُتْعَة الطَّلَاق، وَقد بَينا فِي سُورَة الْبَقَرَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وأسرحكن سراحا جميلا﴾ السراح الْجَمِيل هُوَ الْمُفَارقَة الجميلة، وَذَلِكَ من غير تعنيف وَلَا أَذَى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن كنتن تردن الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة فَإِن الله أعد للمحسنات﴾ والمحسنات هِيَ اللَّاتِي اخْترْنَ الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة، وَجَمِيع نسَاء النَّبِي قد اخْترْنَ ذَلِك، فجميعهن محسنات. وَيجوز أَن تذكر " من " وَلَا تكون للتَّبْعِيض، فَلَا يدل ذَلِك على أَن مِنْهُنَّ من لَيست بمحسنة.


الصفحة التالية
Icon