﴿مَعَه وَالطير وألنا لَهُ الْحَدِيد (١٠) أَن اعْمَلْ سابغات وَقدر فِي السرد وَاعْمَلُوا صَالحا﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد آتَيْنَا دَاوُد منا فضلا﴾ اخْتلف القَوْل فِي الْفضل الَّذِي أُوتِيَ دَاوُد؛ فَقَالَ بَعضهم: هُوَ النُّبُوَّة. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ الْملك. وَيُقَال: الْقَضَاء بِالْعَدْلِ. وَقيل: حسن الصَّوْت. وَقيل: تليين الْحَدِيد لَهُ، وَجَمِيع مَا أعطي وَخص بِهِ.
وَقَوله: ﴿يَا جبال أوبي مَعَه﴾ أَكثر أهل التَّفْسِير على أَن مَعْنَاهُ: سبحي مَعَه؛ وَهُوَ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، وَيُقَال: رَجْعِيّ مَعَه.
وَقَرَأَ الْحسن: " أوبي مَعَه " بِضَم الْألف وَسُكُون الْوَاو، وَهُوَ فِي معنى الأول.
وَفِي بعض التفاسير: أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا لحقه فتور أسمعهُ الله تَعَالَى تَسْبِيح الْجبَال منشطا لَهُ.
وَقَوله: ﴿وَالطير﴾ أَي: وأمرنا الطير أَن تسبح مَعَه.
وَقَوله: ﴿وألنا لَهُ الْحَدِيد﴾ قَالَ قَتَادَة: كَأَن الْحَدِيد جعل لَهُ كالعجين، فَيعْمل الدرْع من غير نَار وَلَا مطرقة.
وَقَوله: ﴿أَن اعْمَلْ سابغات﴾ أَي: الدروع الكوامل. وَيُقَال: الطوَال الَّتِي تسحب فِي الأَرْض.
قَالَ الشَّاعِر:

(وَأَكْثَرهم دروعا سابغات وأمضاهم إِذا طعنوا سِنَانًا)
وَقَوله: ﴿وَقدر فِي السرد﴾ أَي: عدل فِي السرد، وَمَعْنَاهُ: قدر المسامير فِي حلق الدروع حَتَّى يكون بِمِقْدَار لَا يغلظ المسمار ويضيق الْخلق فتفصم الْحلقَة، وَلَا توسع الْحلقَة وتدقق المسمار فيسلس ويقلق وَهَذَا قَول مُجَاهِد، وَقَالَ: قدر فِي السرد أَي: احكم نسج الدرْع. وَقَالَ قَتَادَة: السرد: المسامير فِي الْحلق. وَهُوَ قريب من قَول مُجَاهِد، وأنشدوا:
(أَجَاد المسدي سردها وأذا لَهَا)


الصفحة التالية
Icon