﴿من يرزقكم من السَّمَوَات وَالْأَرْض قل الله وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين﴾ نزل جِبْرِيل بِالْوَحْي، ففزعوا لذَلِك خوفًا من قيام السَّاعَة، فَلَمَّا كشف الْفَزع عَن قُلُوبهم سَأَلُوا عَمَّا قَضَاهُ الله من أمره، فَذكر لَهُم أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى مُحَمَّد.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ الْعلي الْكَبِير﴾ أَي: المتعالي الْعَظِيم فِي صِفَاته.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل من يرزقكم من السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ فالرزق من السَّمَوَات هُوَ الْمَطَر، وَمن الأَرْض هُوَ النَّبَات.
وَقَوله: ﴿قل الله﴾ يَعْنِي: إِن لم يَقُولُوا: إِن رازقنا هُوَ الله تَعَالَى، فَقل أَنْت إِن رازقكم هُوَ الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين﴾ فَإِن قيل: " أَو " فِي كَلَام الْعَرَب للشَّكّ، فَكيف تستقيم كلمة أَو فِي هَذَا الْموضع؟ وَلَا يجوز لأحد أَن يشك أَنه على الْهدى أَو على الضلال، وَالْجَوَاب عَنهُ من وُجُوه: أَحدهَا: مَا ذكره الْفراء وَهُوَ: أَو هَا هُنَا بِمَعْنى الْوَاو، وَالْألف صلَة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: " وَإِنَّا وَإِيَّاكُم لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين " يَعْنِي: نَحن على الْهدى وَأَنْتُم فِي الضلال. قَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي شعرًا:

(يَقُول الأرذلون بَنو قُشَيْر طوال الدَّهْر لَا تنسى عليا؟)
(أحب مُحَمَّدًا حبا شَدِيدا وعباسا وَحَمْزَة والوصيا)
(فَإِن يَك حبهم رشدا أصبه وَفِيهِمْ أُسْوَة إِن كَانَ غيا)
فَقيل: مَا شَككت، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هذى أَو فِي ضلال مُبين﴾. وروى معنى هَذَا القَوْل عَن عِكْرِمَة.
وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ﴾ خرج على شدَّة الاستبصار، وعَلى طَرِيق المناصفة فِي الْكَلَام، كَالرّجلِ يَقُول لغيره: أَحَدنَا كَاذِب، فَهَل من سامع؟ وَهُوَ مُتَيَقن أَن الصَّادِق هُوَ، والكاذب صَاحبه. وَكَذَلِكَ يَقُول الْمولى لعَبْدِهِ عِنْد شدَّة الْغَضَب: تعال نَنْظُر أَيّنَا يضْرب صَاحبه، وَهُوَ يعلم أَنه هُوَ الَّذِي يضْرب غُلَامه.
وَالثَّالِث: مَا رُوِيَ عَن قَتَادَة أَنه فال معنى الْآيَة: مَا نَحن وَأَنْتُم على طَريقَة وَاحِدَة،


الصفحة التالية
Icon