﴿وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانكُم لَئِن جَاءَهُم نَذِير لَيَكُونن أهْدى من إِحْدَى الْأُمَم فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِير مَا زادهم إِلَّا نفورا (٤٢) استكبارا فِي الأَرْض ومكر السَّيئ وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيئ إِلَّا بأَهْله فَهَل ينظرُونَ إِلَّا سنت الْأَوَّلين فَلَنْ تَجِد لسنت الله تبديلا وَلنْ تَجِد لسنت الله تحويلا (٤٣) أَو لم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم﴾ هَذَا فِي مُشْركي مَكَّة، فَإِنَّهُم كَانُوا قَالُوا: لَو جَاءَنَا نَذِير لَكنا أهْدى أَي: أقبل للْكتاب، وألزم لَهُ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى، فَلم يفوا بِمَا قَالُوا حِين جَاءَهُم الرَّسُول، فَأنْزل الله تَعَالَى فِي شَأْنهمْ، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿لَئِن جَاءَهُم نَذِير لَيَكُونن أهْدى من إِحْدَى الْأُمَم﴾ أَي: الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
وَقَوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِير﴾ أَي: مُحَمَّد ﴿مَا زادهم إِلَّا نفورا﴾ أَي: مَا زادهم الْمَجِيء إِلَّا نفورا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿استكبارا فِي الأَرْض﴾ يَعْنِي: أَنهم ردوا مَا ردوا استكبارا فِي الأَرْض.
وَقَوله: ﴿ومكر السَّيئ﴾ أَي: وَفعل الْمَكْر السَّيئ، وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: " ومكرا سَيِّئًا ". وَفِي الْمَكْر السَّيئ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الشّرك، وَالْآخر: أَنه الْمَكْر برَسُول الله.
وَقَوله: ﴿وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيئ إِلَّا بأَهْله﴾ أَي: لَا تنزل عُقُوبَة الْمَكْر السَّيئ إِلَّا بأَهْله، وَحَقِيقَة الْمَعْنى: أَن وبال الْمَكْر رَاجع إِلَيْهِم.
وَقَوله: ﴿فَهَل ينظرُونَ إِلَّا سنة الْأَوَّلين﴾ (أَي: طَريقَة الْأَوَّلين) فِي الإهلاك ونزول الْعَذَاب لَهُم.
وَقَوله: ﴿فَلَنْ تَجِد لسنة الله تبديلا وَلنْ تَجِد لسنة الله تحويلا﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَالْمرَاد من التّكْرَار هُوَ التَّأْكِيد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو لم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم وَكَانُوا أَشد مِنْهُم قُوَّة وَمَا كَانَ الله ليعجزه﴾ أَي: ليفوت عَنهُ.