﴿ففرع مِنْهُم قَالُوا لَا تخف خصمان بغي بَعْضنَا على بعض فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط واهدنا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط (٢٢) إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة ولي نعجة وَاحِدَة﴾
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن مَعْنَاهُ: أما بعد، ذكره الشّعبِيّ، وَإِنَّمَا سمي: أما بعد فصل الْخطاب؛ لِأَن الْإِنْسَان يذكر الله وَيَحْمَدهُ، فَإِذا شرع فِي كَلَام آخر قَالَ: أما بعد، فقد كَانَ كَذَا، وَكَانَ كَذَا.
وَقد ورد فِي الْقِصَّة: أَن رجلا أَتَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَادّعى أَن فلَانا اغتصب مِنْهُ بقرًا، فَدَعَا الْمُدَّعِي عَلَيْهِ، فَجحد؛ فَرَأى فِي الْمَنَام أَنه أَمر بقتل الْمُدعى عَلَيْهِ فَلم يفعل فَرَأى ثَانِيًا وثالثا وأنذر بِالْعَذَابِ إِن لم يفعل فَدَعَا الْمُدعى عَلَيْهِ وَأخْبرهُ أَن الله تَعَالَى أمره بقتْله؛ فَقَالَ: أَو حق هُوَ؟ قَالَ: نعم.
فَقَالَ: أتقتلني بِغَيْر حجَّة؟ فَقَالَ لَهُ: وَالله لأنفذن أَمر الله فِيك.
فَقَالَ: إِنِّي لم أقتل بِهَذَا، وَلَكِنِّي كنت اغتلت أَبَا هَذَا الرجل وقتلته، وَأقر بِهِ، فَقتله دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا رَأَتْ بَنو إِسْرَائِيل ذَلِك هابوه أَشد الهيبة، فَهِيَ معنى قَوْله ﴿وشددنا ملكه﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَهل أَتَاك نبأ الْخصم﴾ أَي: خبر الْخصم، وأنشدوا فِي النبأ بِمَعْنى الْخَبَر:
(إِنِّي أرقت فَلم أغمض جاري | جزعا من النبأ الْعَظِيم السار) |
وَقَوله: ﴿إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب﴾ أَي صعدوا وعلوا، وَالْمعْنَى: أَنهم دخلُوا من جَانب سور الْمِحْرَاب لَا من مدْخل الَّذِي يدْخل النَّاس.
واتفقت عَامَّة الْمُفَسّرين على أَن الَّذين دخلُوا كَانُوا ملكَيْنِ، وَقيل: إِنَّه كَانَ أَحدهمَا جِبْرِيل وَالْآخر مِيكَائِيل، وَذكر تسوروا بِلَفْظ الْجمع؛ لِأَن الْجمع يتَنَاوَل الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدا.