﴿جسدا ثمَّ أناب (٣٤) قَالَ رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي إِنَّك﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان﴾ أَي: اختبرنا سُلَيْمَان فابتليناه، وَيُقَال: فتنا سُلَيْمَان أَي: ألقيناه فِي الْفِتْنَة.
وَقَوله: ﴿وألقينا على كرسيه جسدا ثمَّ أناب﴾ ذهب أَكثر الْمُفَسّرين إِلَى أَن الْجَسَد الَّذِي ألقِي على كرْسِي سُلَيْمَان هُوَ صَخْر الجني.
قَالَ السّديّ: كَانَ اسْمه حبقيق، وَعَن بَعضهم: ان اسْمه كَانَ آصف، وَالْمَعْرُوف هُوَ الأول، وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَأما قصَّته: فزعموا أَن صخرا كَانَ شَيْطَانا ماردا لَا يقوى عَلَيْهِ أحد، فَابْتلى الله تَعَالَى سُلَيْمَان بِهِ، وسلبه ملكه، وَقعد هَذَا الشَّيْطَان على كرسيه يقْضِي بَين النَّاس، وَكَانَ سَبَب ذَلِك فِيمَا زَعَمُوا أَن ملك سُلَيْمَان كَانَ فِي خَاتمه، قَالَ وهب: وَكَانَ ذَلِك الْخَاتم فَمَا ألبسهُ الله تَعَالَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجنَّة، وَكَانَ يضيء كضوء الشَّمْس، فَلَمَّا أكل آدم من الشَّجَرَة، وَعصى الله تَعَالَى سلب الْخَاتم.
ثمَّ إِن الله تَعَالَى أنزلهُ على سُلَيْمَان، وَعقد بِهِ ملكه، قَالُوا: وَكَانَ الْخَاتم مربعًا لَهُ أَرْبَعَة أَرْكَان، فِي ركن مِنْهُ مَكْتُوب: أَنا الله لم أزل، وَفِي الرُّكْن الثَّانِي مَكْتُوب: أَنا الله الْحَيّ القيوم، وَفِي الرُّكْن الثَّالِث مَكْتُوب: أَنا الْعَزِيز لَا عَزِيز غَيْرِي، وَفِي الرُّكْن الرَّابِع مَكْتُوب: مُحَمَّد رَسُول الله.
وَيُقَال: كَانَ الْمَكْتُوب عَلَيْهِ آيَة الْكُرْسِيّ، قَالُوا: وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل مغتسله سلم الْخَاتم إِلَى جَارِيَة لَهُ، فَدخل مرّة وَسلم الْخَاتم إِلَى الْجَارِيَة، فجَاء صَخْر فِي صُورَة سُلَيْمَان فَأخذ الْخَاتم من الْجَارِيَة، وَخرج سُلَيْمَان يطْلب الْخَاتم، فَقَالَت: قد أخذت مني الْخَاتم مرّة، فَعلم [سُلَيْمَان] أَن الله تَعَالَى سلبه ملكه.
وَذهب سُلَيْمَان يسيح فِي الأَرْض، وَلم يعرفهُ أحد بصورته، وَكَانَ يستطعم النَّاس


الصفحة التالية
Icon