﴿أَنْت الْوَهَّاب (٣٥) فسخرنا لَهُ الرّيح تجْرِي بأَمْره رخاء حَيْثُ أصَاب (٣٦) ﴾ وَهَذَا خبر مَرْفُوع إِلَى النَّبِي وعَلى هَذَا القَوْل كَانَ الْجَسَد الَّذِي ألقِي على كرسيه هُوَ وَلَده، وَذكر بَعضهم: أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ولدله ابْن، فخاف عَلَيْهِ من الشَّيَاطِين، فأودعه السَّحَاب لتربيه؛ فَسقط على كرسيه مَيتا، فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وألقينا على كرسيه جسدا﴾ وَالله أعلم.
وَالْقَوْل السَّادِس: مَا رُوِيَ عَن الْحسن قَالَ: إِنَّه كَانَ أصَاب من بعض نِسَائِهِ فِي حَالَة الْحيض، فابتلاه الله تَعَالَى بِمَا ذكرنَا، وَالله أعلم بِمَا كَانَ، وَلَا شكّ أَن الْآيَة تدل على أَن الله تَعَالَى قد أقعد على كرسيه غَيره، وسلبه شَيْئا كَانَ لَهُ.
وَقَوله: ﴿ثمَّ أناب﴾ أَي: رَجَعَ إِلَى ملكه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: ﴿لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي﴾ وَهل كَانَ هَذَا حسدا مِنْهُ لغيره، حَتَّى لَا ينَال غَيره مَا نَالَ هُوَ؟
وَالْجَوَاب: أَن معنى قَوْله: ﴿لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي﴾ أَي: لَا يكون لأحد من بعدِي على معنى انك تسلبه وتعطيه غَيره، كَمَا سلبت من قبل ملكي وَأعْطيت صخرا.. الْخَبَر.
وَيُقَال: إِنَّمَا طلب ذَلِك لتظهر كرامته وخصوصيته عِنْد الله تَعَالَى وَقد ثَبت بِرِوَايَة أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " عرض لي اللَّيْلَة شَيْطَان، وَأَرَادَ أَن يفْسد عَليّ صَلَاتي؛ فأمكنني الله تَعَالَى مِنْهُ، فَأَخَذته وَأَرَدْت أَن أربطه حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ، ثمَّ ذكرت قَول أخي سُلَيْمَان ﴿رب هَب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي﴾ فتركته، ورده الله خائبا خاسئا ".
وَقَوله: ﴿إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب﴾ أَي: الْمُعْطِي.