﴿عَبدنَا أَيُّوب إِذْ نَادَى ربه إِنِّي مسني الشَّيْطَان وَعَذَاب (٤١) اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب (٤٢) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم رَحْمَة منا وذكرى لأولي﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاذْكُر عَبدنَا أَيُّوب إِذْ نَادَى ربه أَنى مسنى الشَّيْطَان بِنصب وَعَذَاب﴾ وَقُرِئَ: " بِنصب وَعَذَاب " بِفَتْح النُّون وَالصَّاد، وَالنّصب والنصيب بِمَعْنى وَاحِد كالحزنن والحزن، وَيُقَال: بِنصب فِي الْجَسَد، وَعَذَاب فِي المَال.
وَقد بَينا قصَّة أَيُّوب من قبل وَمَا أَصَابَهُ من الْبلَاء، وَذكرنَا مُدَّة بلائه، وَيُقَال: إِنَّه مكث فِي الْبلَاء سبع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام، وَكَانَت الدَّوَابّ تجْرِي فِي جسده، وَقد ألْقى على مزبلة، وتأذى مِنْهُ قومه غَايَة الْأَذَى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿اركض﴾ أَي: اركض الأَرْض برجلك، فَيُقَال: إِنَّه داس الأَرْض دوسة، فنبعت عين [مَاء] ؛ فَأمره الله تَعَالَى أَن يغْتَسل مِنْهَا، فاغتسل فَذهب كل دَاء كَانَ فِي جسده، وَمَشى أَرْبَعِينَ خطْوَة، فَأمره الله تَعَالَى أَن يدوس الأَرْض بِرجلِهِ دوسة أُخْرَى؛ فَفعل؛ فنبعت عين أعذب مَا تكون وأبرده؛ فَأمره الله تَعَالَى أَن يشرب مِنْهَا؛ فَذهب كل دَاء كَانَ فِي بَاطِنه، وَصَارَ كأصح مَا يكون من الرِّجَال وأكملهم؛ فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿هَذَا مغتسل بَارِد وشراب﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهله﴾ قد بَينا أَن الله تَعَالَى رد عَلَيْهِ أَهله وَأَوْلَاده الَّذين أهلكهم بأعيانهم، وَقد قُلْنَا غير هَذَا، وَالْقَوْل الأول أشبه بِظَاهِر الْقُرْآن، وَيُقَال: إِن الأَرْض انشقت؛ فَرَأى إبِله وبقره وغنمه على هيئتها وَخرجت إِلَيْهِ، وَرَأى أَيْضا أَهله وَأَوْلَاده كَهَيْئَتِهِمْ وَخَرجُوا إِلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَمثلهمْ مَعَهم﴾ يُقَال: [إِنَّهُم كَانُوا سَبْعَة] بَنِينَ، وَثَلَاث بَنَات فَأعْطَاهُ الله تَعَالَى مثل عَددهمْ، وردهم الله بأعيانهم.
وَقَوله: ﴿رَحْمَة منا وذكرى لأولي الْأَلْبَاب﴾ أَي: لأولي الْعُقُول.