﴿الْأَلْبَاب (٤٣) وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد إِنَّه أواب (٤٤) وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أولي الْأَيْدِي والأبصار (٤٥) ﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَخذ بِيَدِك ضغثا﴾ أَي: فَقُلْنَا لَهُ: وَخذ بِيَدِك ضغثا، والضغث: كل مَا يمْلَأ الْكَفّ من خشب أَو حشيش أَو غَيره.
قَوْله: ﴿فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث﴾ يَعْنِي: فَاضْرب بِهِ امْرَأَتك، وَلَا تَحنث فِي يَمِينك، وَكَانَ سَبَب يَمِينه أَن الْمَرْأَة أَتَتْهُ بِطَعَام يَوْمًا أَكثر مِمَّا كَانَت تَأتيه كل يَوْم؛ فاتهمها بخيانة فِي نَفسهَا، وَكَانَت بريئة، فَحلف ليضربنها [مائَة] سَوط إِذا برأَ من مَرضه.
وَيُقَال: إِن إِبْلِيس قعد على طَرِيق الْمَرْأَة طَبِيبا يداوي النَّاس، فمرت بِهِ الْمَرْأَة، وَقَالَت: إِن لي مَرِيضا وَأحب أَن تداويه، فَقَالَ لَهَا: أَنا أداويه، فَلَا أُرِيد شَيْئا سوى أَن يَقُول إِذا شفيته: أَنْت شفيتني، فَجَاءَت إِلَى أَيُّوب وَذكرت لَهُ ذَلِك، فَعرف أَنه كَانَ إِبْلِيس اللعين، فَغَضب وَحلف على مَا ذكرنَا.
وَيُقَال: إِنَّهَا باعت ذؤابتيها بِرَغِيفَيْنِ لطعامه، فَلَمَّا رأى ذَلِك أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام غضب وَحلف، وَهَذَا قَول غَرِيب.
وَقَوله: ﴿فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث﴾ يَعْنِي: فَاضْرب بالضغث الَّذِي يشْتَمل على مائَة عود صغَار ﴿وَلَا تَحنث﴾ أَي: وَلَا تدع الضَّرْب فتحنث، قَالَ مُجَاهِد: هَذَا لأيوب خَاصَّة، وَقَالَ عَطاء: لَهُ وَلِلنَّاسِ عَامَّة.
وَقَوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد إِنَّه أواب﴾ أَي: رجاع إِلَى طَاعَة الله. وَفِي الْقِصَّة: أَن أَيُّوب قيل لَهُ: مَا أَشد مَا مر عَلَيْك فِي بلائك؟ فَقَالَ: شماتة الْأَعْدَاء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب أولي الْأَيْدِي والأبصار﴾ إِنَّمَا خص هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة؛ لِأَن الله تَعَالَى ابْتَلَاهُم فصبروا، أما ابتلاء إِبْرَاهِيم فَكَانَ بالنَّار، وابتلاء إِسْحَق كَانَ بِالذبْحِ، وَأما ابتلاء يَعْقُوب بفقد الْوَلَد.
وَقَوله: ﴿أولي الْأَيْدِي والأبصار﴾ مَعْنَاهُ: أولي الْقُوَّة فِي الطَّاعَة، وأولي الْأَبْصَار