﴿وَأَصِيلا قل أنزلهُ الَّذِي يعلم السِّرّ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِنَّه كَانَ غَفُورًا رحِيما وَقَالُوا مالهذا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ ملك فَيكون مَعَه نذيرا﴾.
وَقَوله: ﴿اكتتبها﴾ أَي: طلب أَن تكْتب لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يكْتب.
وَقَوله: ﴿فَهِيَ تملى عَلَيْهِ﴾ أَي: تقْرَأ عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ لَا يكْتب حَتَّى تملى عَلَيْهِ ليكتب.
وَقَوله: ﴿بكرَة وَأَصِيلا﴾ أَي: غدْوَة وعشيا.
﴿قل أنزلهُ الَّذِي يعلم السِّرّ﴾ أَي: الْغَيْب فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض (إِنَّه كَانَ غَفُورًا رحِيما) أَي: متجاوزا محسنا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام ويمشى فِي الْأَسْوَاق﴾ قَالُوا هَذَا على طَرِيق الْإِنْكَار، وَزَعَمُوا أَنه إِذا كَانَ مثلهم يَأْكُل الطَّعَام ويمشى فِي الْأَسْوَاق، فَلَا يجوز أَن يمتاز عَنْهُم بِالنُّبُوَّةِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: أَنْت لست بِملك وَلَا ملك؛ فلست بِملك لِأَنَّك تَأْكُل الطَّعَام، وَلست بِملك لِأَنَّك تتسوق وتتبذل، والملوك لَا يتسوقون وَلَا يتبذلون، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ كُله فَاسد؛ وَذَلِكَ لِأَن أكله الطَّعَام لَا ينافى النُّبُوَّة، وَلَا مَشْيه فِي الْأَسْوَاق، فَإِن أكله الطَّعَام يدل على أَنه آدمى مُحْتَاج، ومشيه فِي الْأَسْوَاق يدل على أَنه متواضع غير متكبر، وَأما اخْتِصَاصه بفضلة النُّبُوَّة من بَين النَّاس فَجَائِز؛ لِأَن الله تَعَالَى لم يسو بَين النَّاس، بل فَاضل بَينهم.
وَقَوله: ﴿لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ ملك﴾ قَالُوا هَذَا لأَنهم زَعَمُوا أَن الرَّسُول إِن لم يكن ملكا، فَيَنْبَغِي أَن يكون لَهُ شريك من الْمَلَائِكَة، هَذَا أَيْضا فَاسد؛ لِأَنَّهُ مُجَرّد تحكم، وَيجوز أَن يتفرد الْآدَمِيّ بِالنُّبُوَّةِ وَلَا يكون مَعَه ملك، وَلِأَن يكون النَّبِي آدَمِيًّا أولى من أَن يكون ملكا؛ ليفهموا عَنهُ، ويستأنسوا بِهِ.
وَقَوله: ﴿فَيكون مَعَه نذيرا﴾ أَي: شَرِيكا.
وَقَوله: ﴿أَو يلقى إِلَيْهِ كنز﴾ يعْنى: ينزل عَلَيْهِ كنز من السَّمَاء، أَو يظْهر لَهُ كنز