{لي لَا أرى الهدهد أم كَانَ من الغائبين (٢٠) لأعذبنه عذَابا شَدِيدا أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين (٢١) فَمَكثَ غير بعيد فَقَالَ أحطت بِمَا لم تحط بِهِ وجئتك
قَوْله تَعَالَى: ﴿لأعذبنه عذَابا شَدِيدا﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا - وَهُوَ الْأَشْهر - أَنه نتف ريشه وإلقاؤه فِي الشَّمْس فيأكله النَّمْل، وَيُقَال: هُوَ حَبسه مَعَ الضِّدّ، وَيُقَال: إِخْرَاجه من جنسه إِلَى غير جنسه، فَهُوَ الْعَذَاب الشَّديد.
وَقَوله: ﴿أَو لأذبحنه﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين﴾ أَي: بِعُذْر ظَاهر، وَيُقَال: بِحجَّة بَيِّنَة، وَفِي الْقِصَّة: أَن أَمِير الطير كَانَ هُوَ الكركر، فَسَأَلَهُ سُلَيْمَان عِنْد الهدهد أَنه حَاضر أم غَائِب؟.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَكثَ غير بعيد﴾ أَي: غير طَوِيل.
وَقَوله: ﴿فَقَالَ أحطت بِمَا لم تحط بِهِ﴾ فِيهِ حذف، وَمَعْنَاهُ: أَن الهدهد جَاءَ وَسَأَلَهُ سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - عَن غيبته فَقَالَ: ﴿أحطت بِمَا لم تحط بِهِ﴾.
وَفِي الْقِصَّة: أَن الهدهد قَالَ لما أخبر بمقالة سُلَيْمَان: ﴿لأعذبنه عذَابا شَدِيدا أَو لأذبحنه﴾ قَالَ الهدهد: هَل اسْتثْنى نَبِي الله؟ قَالُوا: نعم، قد قَالَ: (أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين) قَالَ: فنجوت إِذا.
فَإِن قَالَ قَائِل: التعذيب إِنَّمَا يكون بعد التَّكْلِيف، والهدهد لم يكن مُكَلّفا، وَإِذا لم يكن مُكَلّفا لم يكن عَاصِيا بالغيبة، وَإِذا لم يكن عصيا لَا يسْتَحق الْعَذَاب؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: يحْتَمل أَن الطير أَعْطَاهَا الله تَعَالَى فِي ذَلِك الْوَقْت مَا يعْقلُونَ بِهِ الْأَمر، فصح نهيهم عَن الْغَيْبَة والإخلال بمركز الْخدمَة، فَإِذا غبن استحققن الْعَذَاب.
وَأما قَوْله: ﴿أحطت بِمَا لم تحط بِهِ﴾ الْإِحَاطَة هُوَ الْعلم بالشَّيْء من جَمِيع جهاته.
وَقَوله: ﴿وجئتك من سبأ﴾ وَقُرِئَ: " سبأ " بِغَيْر صرف، فَمن صرف سبأ صرفه على أَنه اسْم رجل، وَفِي بعض التفاسير: عَن النَّبِي أَنه سُئِلَ عَن سبأ فَقَالَ: " هُوَ


الصفحة التالية
Icon