﴿معيشتهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ورفعنا بَعضهم فَوق بعض دَرَجَات ليتَّخذ بَعضهم بَعْضًا سخريا ورحمت رَبك خير مِمَّا يجمعُونَ (٣٢) وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا﴾
وَقَوله: ﴿نَحن قسمنا بَينهم معيشتهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ أَي: كَمَا قسمنا معيشة الْحَيَاة الدُّنْيَا فاخترنا للغنى من شِئْنَا، وللفقر من شِئْنَا، فَكَذَلِك اخترنا واصطفينا للرسالة من شِئْنَا. وَقد روى ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي قَالَ: " إِن الله قسم بَيْنكُم أخلاقكم كَمَا قسم بَيْنكُم أرزاقكم، وَإِن الله يُعْطي الدُّنْيَا من يحب وَمن لَا يحب، وَلَا يُعْطي الدّين إِلَّا من يُحِبهُ، وَمن أعطَاهُ الدّين فقد أحبه ". وَعَن قَتَادَة: رب رجل ضَعِيف (الجبلة) عيي اللِّسَان [مَبْسُوط لَهُ] فِي الرزق، وَرب رجل شَدِيد (الجبلة)، فصيح اللِّسَان مقتر عَلَيْهِ فِي الرزق.
وَقَوله: ﴿ورفعنا بَعضهم فَوق بعض دَرَجَات﴾ أَي: فِي الدُّنْيَا، فغني وفقير، وفاضل ومفضول، وحر وَعبد، وصحيح وَسَقِيم، وَأَشْبَاه ذَلِك.
وَقَوله: ﴿ليتَّخذ بَعضهم بَعْضًا سخريا﴾ أَي: خولا. وَقيل: بتسخير الْغَنِيّ الْفَقِير بِمَالِه، وَالْقَوِي الضَّعِيف بِفضل قوته. وَيُقَال: تتخذونهم مماليك وعبيدا، وَبِهَذَا الْقيام صَلَاح الْعَالم، وَأنْشد بَعضهم:
(سُبْحَانَ من سخر [الْأَنَام] بَعضهم | للْبَعْض حِين اسْتَوَى التَّدْبِير واطردا) |
(فَصَارَ يخْدم هَذَا ذَاك من جِهَة | وَذَاكَ من جِهَة هَذَا وَإِن بعدا) |
(كل بِمَا عِنْده مُسْتَبْشِرٍ فَرح | يرى السَّعَادَة فِيمَا نَالَ واعتقدا) |
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة﴾ مَعْنَاهُ: وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس كلهم كفَّارًا. وَقيل: لَوْلَا أَن الدُّنْيَا تميل بِالنَّاسِ عَن الدّين، لَو فعلنَا هَذَا بالكفار لفعلنَا